قررت النيابة العامة أمس الأربعاء (13 سبتمبر/ أيلول) تجديد حبس الشباب النوبيين المقبوض عليهم في أسوان، لمدة خمسة عشر يومًا إضافية، بعد فترة حبس مماثلة، تلت مشاركتهم في مسيرة بالدفوف للتذكير بمطالب النوبيين بـ”حق العودة” لأراضيهم بحسب نص الدستور.
وقال المحامي مالك عدلي أحد المحامين الذين حضروا جلسة أمس، إن النيابة قررت تجديد حبس “معتقلي الدفوف” بعد الاستماع إلى ثلاثين محاميًا “في كافة جوانب وتفاصيل القبض عليهم والاتهامات الواهية المنسوبة لهم، التي لا تستوجب حبسا احتياطيا من الأساس”. ودخل الشباب النوبيون المحبوسون مع تجديد حبسهم احتياطيًا يومهم التاسع من الإضراب عن الطعام، احتجاجا على ما يرونه ” تعنتًا أمنيًا في حقهم”، ظهر عقب القبض عليهم خلال مشاركتهم في مسيرة العيد في النوبة أحلى، للتأكيد على رفض قرار رئيس الجمهورية رقم 444 لسنة 2014، والقرارات اللاحقة عليه بطرح أراضي توشكى وفورقندي للبيع للمستثمرين، بالمخالفة للنصوص الدستورية التي تعطى للنوبيين الأولوية في العودة لأراضيهم.
واعتقلت قوات الأمن 24 شابًا – بحسب بيان هيومان رايتس ووتش- من المشاركين في المسيرة التي انطلقت في أسوان في الثالث من سبتمبر/ أيلول الجاري. وقررت حبسهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات بتهم تتصل بتعطيل المرور و”الحصول على تمويل خارجي للضغط على الدولة لتنفيذ مطالبهم”، وبدأ المحبوسون الثلاثون (بحسب بيانات صحفية) إضرابًا عن الطعام، “رفضًا للتعنت الأمني ضدهم”، بحسب البيان الذي نشرته الجمعية المصرية لاتحاد المحامين النوبيين الأربعاء الماضي.
قرار تمديد الحبس في المرة اﻷولى، ثم بدء الإضراب عن الطعام دفع نوبيون مهتمون للتدوين على نطاق واسع لتوثيق ما يجري ومحاولة لفت الإنتباه لقضية الشباب المحبوسين. وخلال سعيهم لنشر التعريف بالحدث، استخدم الناشطون النوبيون صفحاتهم الشخصية، وكذلك الصفحات الخاصة بالجمعيات والتجمعات النوبية لنشر أسماء المحبوسين وتداول معلومات عنهم. وهي الخطوة الأولى التي يلجأ إليها النوبيون عادة في المواقف الشبيهة. ما جعل نشاطهم على فيسبوك وتويتر يمثل توثيقًا مهمًا في ظل تضارب المعلومة الخاصة بعدد المقبوض عليهم.
تلا ذلك بيان تضامني مع المعتقلين، دعا النشطاء النوبيون كل من يرغب في التضامن معهم للتوقيع عليه.
من الشارع لفيسبوك
عاد الحراك النوبي أسير أسلاك وموجات نقل البيانات عبر الشبكات الاجتماعية.
مثل قطاعات مهنية واجتماعية مختلفة، لجأ النوبيون لاستخدام ما تتيحه شبكات التواصل الاجتماعي لنشر التعريف بمطالبهم المتعلقة بـ”حق العودة”، بالإضافة للبث المباشر للأنشاطة التي يقومون بها من أجل نشر الوعي والتعريف بالقضية ذاتها.
يقول محمد توماس السكرتير العام لجمعية نوبة الخير “في البداية كان لدينا رغبة في إقامة حفل ثقافي لإحياء القضية بمناقشة شؤونها، لكن ألغيت الفكرة لاحقا إثر الاصطدام بحاجز التصاريح الأمنية، والقلق بشأن مخاوف الناس من المشاركة”.
تعليق توماس المتصل بإلغاء احتفالية كان مقررًا لها يوم التجمع النوبي -الذي أقيمت فيه مسيرة الدفوف- تعكس الأثر الذي أحدثته التغيرات السياسية والأمنية خلال السنوات القليلة الماضية في النشاط النوبي، سواء النشاط الفني الثقافي الخالص الذي اعتاد النوبة تقديمه من خلال جمعياتهم ومراكزهم الثقافية، أو الأنشطة الفنية والتجمعات الهادفة لإحياء قضية العودة والتذكير بها.
خلال السنوات السابقة على الثورة، ثم أعوام الانفتاح الحركي والسياسي الذي تلاها، وصولا للشهور الأخيرة من 2013، استطاع النوبة الضغط لطرح قضيتهم الخاصة بالعودة للحياة على جانبي النهر على الأجندة الاجتماعية والسياسية، حتى تمكنوا من اقتناص نص دستوري يحسم حقهم في العودة لأراضيهم القديمة، أو أراض بديلة لها قريبة من النهر الذي ابتلع قراهم وتسبب في تهجيرهم من النوبة القديمة مرتين، مرة مع بناء خزان أسوان عام 1902، ثم تعليته في 1912، ثم موجة كبرى تالية عند بدء الدولة في إنشاء السد العالي، وهي الموجة التي يطلق عليها ” الهجرة الكبرى”.
تلك الموجة الأخيرة شتّتت الأسر النوبية بين محافظات مصر، وبين القرى المُقامة شمال شرق أسوان في نصر النوبة، أو “صحراء النوبة” وكوم امبو بعيدًا عن النهر. لكن الخطاب الرسمي طوال سنوات بناء السد وما تلاها، كان يذكر “التضحية النوبية” والواجب الوطني الذي قاموا به من أجل “مشروع مصر القومي الأكبر” في النصف الثاني من القرن العشرين، دون خطوة أبعد لتعويضهم بما يرونه مناسبًا عن هذه “التضحية”.
تسلّم بعض أبناء النوبة تعويضات مادية عن أراضيهم وبيوتهم الغارقة، لكن هذه التعويضات لم تثنهم عن المطالبة بالالتزام بإعادتهم إلى جوار النهر عقب اكتمال بناء السد وإنشاءاته واستقرار شاطئ البحيرة خلفه. لكن مطالبهم المستمرة منذ ستينات القرن الماضي التي أجبر فيها 60 ألف نوبي على ترك قراهم، لم تلق التفاتًا من الدولة مع قليل من التعاطف المجتمعي، ليلوح النوبيون في 2009 باختصام الحكومة أمام مجلس الدولة، حسبما يقول أحمد إسحق ممثل لجان المتابعة النوبية.
جاء دستور 2014 مُقرًا بحقوق النوبة في التنمية ضمن المناطق الحدودية المهملة، إلا أن قرارات السلطة التنفيذية والرئاسية وأهمها قرار 444 لسنة 2014، الذي يقضي بتحويل 16 قرية نوبية إلى مناطق عسكرية حدودية، تناقض مع هذا النص الدستوري الذي أعطى النوبة الأمل في تحقق حلمهم المعلق منذ ستين عامًا.
لكن المجال عقب هذا القرار الرئاسي لم يعد مفتوحًا للحراك بعدما تعددت القوانين المقيدة للاحتجاج السلمي ضد القرارات التنفيذية والتشريعية، حتى وإن خالفت تلك القرارات صريح النص الدستوري.
في البداية، لجأ النوبيون إلى تنظيم بعض الوقفات الاحتجاجية ومحاولة تنظيم المسيرات للاعتراض على القرارات التي اعتبروها “ردة لما قبل وضع مواد الدستور في 2013″، هذا الدستور الذي أقر في 2014 تضمن أول نص دستوري يضمن حق العودة. وإلى جانب تلك الوقفات الاحتجاجية، دعى الاتحاد العام لأبناء النوبة، لجمع حوالي 100 ألف توقيع لرفضه، ولم يسفر ذلك عن تغيير واقعي ملموس ازاء مطالبهم.
لكن السلطات لم تسمح حتى بالهوامش الضئيلة التي يتحرك فيها أبناء النوبة، وبادرت سريعا لمواجهة هذه التحركات المعدودة، فتم حصار قافلة العودة التي انطلقت في طريقها إلى أراضي النوبة القديمة في أبي سمبل، ثم اضطر الناشطون المشاركون في المسيرة -بعد الاعتصام تحت الحصار لأكثر من أسبوع- إلى فض المسيرة بعد إيفاد رئاسة الجمهورية للمشير حسين طنطاوي إلى المسيرة المحاصرة لينقل وعدًا للنوبيين بتحقيق مطالبهم.
ومنذ اضطر النوبيون لفض مسيرتهم في نوفمبر/ تشرين ثان الماضي 2016، لم تتخذ السلطات أية خطوات فعلية في تنفيذ ما وعدت به. وفي الوقت عينه؛ انتظر النوبيون دون حراك سوى كتاباتهم على الشبكات الاجتماعية لتحليل أسباب فشل قافلة العودة في تحقيق أهدافها وإحتوائها دون نتيجة تذكر.
وفي الثالث من سبتمبر/ أيلول الجاري، جاءت مسيرة “العيد في النوبة أحلى” التي سارعت السلطات الأمنية لحصارها والقبض على عدد كبير من المشاركين فيها الذين جددت النيابة حبسهم أمس الأربعاء، وعاد الحراك النوبي أسير أسلاك وموجات نقل البيانات عبر الشبكات الاجتماعية.
مراحل من النضال
تمكن النوبيون عقب سنوات الثورة من “تنظيم صفوفهم وإعادة صياغة مطالبهم” باعتبارها حقوقًا أصيلة؛ لا مجرد مطالب.
الأمل الذي تولد لدى الناشطين النوبيين عقب إقرار الدستور ومنه المادة 236، صبغ مواقفهم السياسية بشكل عام، وغلب على محتواهم المتداول سواء على الشبكات الاجتماعية أو بيانات اللجان والحركات.
تقول الباحثة فاطمة إمام: النضال النوبي بدأ مع إنشاء لجان المتابعة خلال تسعينات القرن الماضي، مرورًا بالتعريف الدولي بالقضية النوبية عندما تحدث عنها حجاج أدول في واشنطن عام 2005، ثم مشاركة النوبيين في الاستحقاقات السياسية على مدار الأعوام الماضية.
ترى إمام في تلك المشاركة إحدى مراحل النضال التي دلل من خلالها النوبيون على كونهم “جزءًا من نسيج المجتمع”، في الوقت الذي يتم وصمهم فيه بالسعي للانفصال. تقول إمام: “شكَّل هذا في جملته نقطة تحول للقضية النوبية من مجرد قضية لفصيل محدد؛ إلى قضية مواطنة، بعيدة تماما عن الطابع الفئوي الذي طالما وصم مطالبهم السابقة”. ما مكن النوبيون عقب سنوات الثورة من “تنظيم صفوفهم وإعادة صياغة مطالبهم” باعتبارها حقوقًا أصيلة؛ لا مجرد مطالب بعدما كفلها السند الدستوري الذي أقر في مطلع 2014 “بعد سنوات من التهميش”.
ظهر هذا في الحملة التي تلت إقرار الدستور ودعى لها الاتحاد العام لأبناء النوبة لجمع حوالي 100 ألف توقيع لرفض القرار 444 السابقة الإشارة إليه، وإن لم تسفر هذه الحملة عن تغير واقعي ملموس في وضعهم المطلبي.
قافلة العودة.. نقطة تحول
في 2016، أعلنت السلطات المصرية عن إعادة إحياء مشروع توشكى عبر مشروع استصلاح مليون ونصف مليون فدان، وطرح المزيد من الأراضي للبيع للمستثمرين، إذ جاءت أراضي في أبي سمبل وفورقندي ضمن الأراضي المطروخة للبيع، وهما نطاقان كان النوبة يأملون في العودة إليها باعتبارها إما من أراضيهم القديمة، أو مجاورة لها على الضفاف الجديدة المتشكلة للنهر عقب تكوُّن بحيرة ناصر.
قاد القرار إلى قيام ناشطون نوبيون بأخذ خطوة مهمة في حراكهم بالإعلان عن قافلة العودة وتوجيه الدعوة للنوبيين “والمتضامنين مع حقهم في العودة” للمشاركة في المسيرة المتوجهة إلى أراضي “النوبة القديمة” أو أراضي ما قبل موجة التهجير الكبرى في الستينات.
مثَّل هذا حدثًا فاصلاً في تاريخ القضية النوبية. أُجبِرَت قافلة العودة وسائل الإعلام على تناول قضية حق العودة بشكل مختلف، بعد أيام من استدعاء حديث التخوين ورغبة النوبة في الانفصال على لسان إعلاميين محسوبين على بعض الأجهزة الأمنية، لكن استمرار القافلة في الاعتصام ومحاولة مواصلة المسير دفع وسائل الإعلام نفسها لتناول القضية كما يراها النوبة.
لجأت الرئاسة بعد فشل الحصار اﻷمني في فض المسيرة إلى إيفاد المشير حسين طنطاوي صاحب الأصول النوبية للتفاوض مع المشاركين. لكن حداثة عهد المحتجين وقتها بالتفاوض السياسي على قضيتهم، تسببت بتصعيد الخلاف فيما بينهم، حينما وافقوا على إنهاء الاعتصام وفتح الطريق مقابل الاجتماع مع رئيس الوزراء ورئيس البرلمان، وفقًا لوفاء عشري الناشطة النوبية والباحثة الميدانية.
شاركت وفاء في المسيرة الغنائية الأخيرة “مسيرة الدفوف” وقبلها في القافلة، وكانت إحدى منظمي الأخيرة، تقول: “القافلة هي أول تواجد نسوي في الحراكات النوبية على الأرض، حرصت السيدات على انتزاع حقهن بالمشاركة لأنهن رأين فيها إضافة لبعد إنساني أعمق، ومن هذا المنطلق تطور الحراك الميداني للنوبيين”.
تصف وفاء تحايلها وزميلاتها على رفض الشباب لنزولهن في البداية بـ”الخناقة”، ورغم اشتراط الشباب عليهن عدم المبيت إلا أن الظروف الأمنية، وما واجهوه مع حصار قوات الجيش، أجبرت الجميع على القبول بمشاركة النساء في الاعتصام الذي اضطرت إليه القافلة. تعلق وفاء: “كنا [النساء] حلقة الوصل، التي عن طريقها تم اختراق الحصار الذي فرضه الجيش على المحاصرين، وتم إمدادهم بالعيش والمياه حتى يستطيعوا الثبات في أماكنهم”.
كانت التجربة النسائية جزءًا من الخطوات المهمة في تطور شكل الحراك النوبي من أجل حق العودة. تحكي وفاء عن اليوم الثاني للحصار، ومنع قوات الأمن لهن من العبور “قالوا لنا امشوا برجلكم لو عايزين تروحوا كركر، دا أقرب مكان للحصار بس دا كان على بعد 15 – 20 كيلو مثلا فى درجة حرارة لا تقل عن 37 – 40″، وتكمل قائلة “خططنا كبنات عشان نعديهم ودخلنا على الكمين وقتها ماكنش فيه غير أفراد أمن، إزعاجنا لهم مع خناقة الشباب، قدرنا نعدي كام عربية فيهم الستات اللي بالفعل باتوا هناك مع أهاليهم”.
يتواصل الدور النسائي الآن مع أزمة معتقلي الدفوف، بداية الدعوة التي شاركت الناشطات النوبيات في نشرها، وحتى التغطيات الصحفية التي تقوم بها بعضهن، مثل سماح عثمان، والإسهامات النظرية التي يأصلن لها من خلال البحث والتوثيق.
ورغم ما تصفه وفاء بـ”المراوغة التي تزعمها سياسيون“، وأنهت المشهد حينها؛ ترى الناشطة النوبية أن “شيئًا ما قد أضافه تجدد آليات النوبيين إلى المعادلة، وانعكس هذا على لغة خطاب المجتمع النوبي”.
تقول فاطمة إمام إن مفردات الحديث عن الحق النوبي في العودة تطورت، لتتحول “موجة الهجرة الكبرى” إلى ” تهجير قسري”، وتتحول “المطالب” إلى “حق دستوري”، وصارت البيانات تتخذ طابعًا حقوقيًا يتحدث من موقع النضال من أجل الحق، و”يبادر الجميع بطرح تصورات يتبعها الغالبية من النشطاء بعد مناقشات يديرها النوبيون في دوائرهم، التي يؤكد محمد توماس السكرتير العام لجمعية “نوبة الخير” قدرتهم على التواصل الجيد في إطارها.
تصعيد وتصعيد مضاد
جزء أساسي من هذا التطور، تمثّل في تنوع طرق إحياء القضية من خلال الكيانات المختلفة. وتذكر فاطمة إمام منها مجموعة “نوبيان نايتس” الذين يركزون على نشر الثقافة النوبية، و”نوبيان جيرفيك” التي تهدف إلى تعريف الناس على تاريخ النوبة، و”النوبة يوتيوب” التي تسعى للحفاظ على اللغة النوبية.
تقول فاطمة إن هذه المجموعات تشكل حراكًا سياسيًا يطرح الوجود النوبي خارج المؤسسات والوجوه التقليدية التي مثلت القضية النوبية طويلا “مهددة القضية ككل” في تقديرها. لكن تعدد الكيانات أيضًا “يُفقد الحراك طابعه المؤسسي”.
أما محمد توماس فيرى أن هذه الكيانات وغيرها من الجمعيات النوبية، تفتقر للصفة القانونية التي تخول لها الحديث الرسمي بشكل حقوقي يمثل القضية: “أغلب هذه الجمعيات تختص بمشكلات اجتماعية وروابط أسرية بين العائلات”. موضحًا: “يتكلم كل شخص منا باسمه حتى لو كان ناشطًا، أو عضوًا في إحدى هذه الجمعيات [النوبية]، علمًا منه بأنه يمكن أن يتم غلقها حال تطرقها إلى السياق [السياسي] الحالي، فهي في مجملها مشهرة من وزارة التضامن الاجتماعي”.
على الجانب الآخر يُواجَه هذا التطور بتصعيد مقابل من الدولة، ويؤدي نمو الخطاب النوبي إلى تصعيد أمني هو الأعنف بالنسبة لهم، لتدخل معه القضية مرحلة جديدة، يظهر تأثيرها على عامة النوبيين في زيادة إصرارهم و”تراجع إيمانهم بالدولة كفكرة”، كما يقول الشاعر والناشط النوبي رامي صلاح “وكأن هناك اتفاق ضمني للتضحية بالنوبة كعروس للنيل”، مشيرًا إلى “حالة الغُبن” التي تخيم على إحساس المواطن النوبي، “الذي لم ينتهج سوى الاحتفال والغناء في التعبير عن نفسه بمسيرة لم يتجاوز عدد المشاركين فيها 50 شخصا” حسب تقدير محمد توماس.
لكن الخطاب النوبي الحالي يعكس فهمًا للظرف السياسي واﻷمني القائم، ويغلب عليه طابع دفاعي عن مكتسباتهم في وجه شدة إحكام القبضة الأمنية للدولة بأدوات فنية وثقافية لم تغب من قبل عن حراكهم، لكنها صارت أكثر حضورًا في ظل تجريم الاحتجاجات بقوة قانون التظاهر وقبله قانون التجمهر.
“في سياق الهزيمة التي تعيشها البلاد، يجنح النوبيون للسلمية، مبتعدين عن التظاهرات والوقفات التي نلاحظ تراجعها عن وقت سابق، كانت فيه هي الوسيلة الأساسية[للمقاومة] ولا يمنعهم هذا عن خوض صراعهم ضد الرضوخ التام أمام قرارات الحكومة”، وفقًا لرصد شريف محي الدين الباحث بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات.
في الوقت الذي يشعر فيه النوبيون بانعدام جدوى وعود الحكومات المتعاقبة، يسلكون كافة المسارات التي تؤدي لنيل حقوقهم، ويستشهد شريف باستجابتهم لكافة الدعوات الرسمية لمناقشة مطالبهم، ومشاركاتهم القانونية في الأحداث الكبرى، “رغم أنها لم تثبت فاعليتها؛ إلا أنهم لم يكفوا بعد عن استخدام كل الأدوات المتاحة”.
التطور الذي اتسم به الخطاب النوبي، يمكن قياسه بالرجوع إلى تصريحات الكيانات النوبية، مثل منشورات الجمعية المصرية لاتحاد المحامين النوبيين إبان الصدام بين الهلايلة والدابودية في 2014.
وبعيدًا عن الجزء المعلن من خطوات النوبيين على وسائل التواصل الاجتماعي، ثمة جهود تجري في الكواليس، مثل مخاطبة الجهات السيادية وأعضاء مجلس النواب، للتدخل قبل اتخاذ أية خطوات تصعيدية شرعية.
المحامي النوبي محمد عزمي، أحد المعتقلين الآن، صرح عقب صدور قرار 444، بأن “هناك مجموعات نوبية مستقلة، ومنظمات مدنية، تعكف على جمع الوثائق التاريخية التي تفيد بحق النوبيين في العودة، تمهيدًا لتقديمها كشكوى رسمية ضد الحكومة المصرية أمام اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، لوقف تنفيذ القراريين 444 لسنة 2014، و355 لسنة 2016، وإعادة توطين النوبيين في الـ44 قرية التي هجروا منها”.
لا ينكر ذلك وجود بعض الاتجاهات في المشهد النوبي نفسه ترفض أي حديث عن تدويل القضية النوبية، أو الاستعانة بجهة خارجية للفصل في مطالبهم، خوفًا من أن يتم استخدام هذه الدعوات في إثبات الاتهامات التي يتعرضون لها برغبتهم في الانفصال، والتي يشدد العديد من النوبيين مثل توماس على أنها أبعد ما يكون عن مطالبهم.
المصدر: موقع المنصة.
قسم: مجتمع.
تاريخ النشر: 14/9/2017
رابط القصة: https://almanassa.com/stories/1658