تستدعي الأحداث الأخيرة بالقدس والتي رسمت مشاهد غير معتادة، مثل تراجع الحكومة الإسرائيلية عن قرارات تصعيدية اتخذتها بحق الفلسطينيين، ووحدة الفلسطينيين وإن كانت مؤقتة، تستدعي الكثير من الأسئلة حول ما الذي حدث، ولماذا، في الوقت الذي يميل الفلسطينيون إلى تفسير تراجع إسرائيل عن قرارها برفع البوابات الإلكترونية من محيط االمسجد الأقصى والسماح لهم بالدخول، بقدرتهم على الضغط، فيما تشير بعض الوقائع إلى تفسيرات أخرى لهذا التراجع.
تًجري إسرائيل تحقيقًا مع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على خلفية اتهامه في قضية فساد، فهل جنح الأخير إلى افتعال أزمة توفر له غطاءً من التعبئة الشعبية في المجتمع الاسرائيلي وتوجه الأنظار بعيدًا عنه لحين إشعار آخر لاسيما مع سقوط قتلى إسرائيلين، وهو ما يعتبر خطًا أحمر بالنسبة له؟
ما يدعم هذه الفرضية هو موقف الحكومة الإسرائيلية في السابق، والتي سبق وأبدت تحفظها على البوابات كآلية أمنية.
أما السيناريو الثاني فيستند إلى تساؤلات حول اتفاق دبلوماسي بين الأردن وإسرائيل، تنازلت فيه الأولى عن حق مواطنيها اللذان قتلا برصاص أحد حراس السفارة الإسرائيلية في عمّان، مقابل تراجع إسرائيل عن قرارها.
ولكن الأردن على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي نفى ذلك كله، إذ قال إن عمان كانت مجبرة على الإفراج عن الحارس لأنها كان يتمتع بحصانة دبلوماسية تحميه من الملاحقة القضائية.
وعلى الرغم من الربط الذي تم بين واقعة القتل وبين الأحداث الأخيرة، إلا أن التحقيقات الإسرائيلية أشارت إلى أن الواقعة لم تكن مرتبطة بما يحدث في الأقصى، وإن تزامنت معه بشكل غير متعمد، بل جاءت في إطار مشاجرة بين الحارس وبين صاحب المنزل الأردني الذي يستأجره الأول وعامل أردني آخر.
كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قرر وضع بوابات الكترونية على مداخل المسجد الاقصى قبل نحو ثلاثة أسابيع، كتدبير أمني إضافي يسمح لقوات الاحتلال بفحص المصلين والزائرين إلى المسجد، في ظل الاشتباكات المستمرة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، ليخرج الفلسطينيون في مسيرات جابت شوارع القدس واعتصم المرابطون في محيط الأقصى، وامتدت الاحتجاجات خارجه، وتصاعدت فيما بعد لتشعل العنف بعض أجزاء الضفة الغربية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من أربعة أشخاص، وإصابة نحو 115 في مدينة القدس وحدها، بخلاف من خرجوا من الإحصاءات، خوفا من الملاحقة والاعتقال ضمن أعداد كبيرة من المعتقلين، لا توجد حولها تقارير دقيقة، فيما لقي ثلاثة جنود اسرائيلين مصرعهم.
وانتقدت العديد من وسائل الإعلام العبري والقيادات الإسرائيلية قرار وضع البوابات، واصفين محاولات إدارة نتنياهو بـ “من يحاول النزول من على الشجرة”، وحذرت من نتائجه على الوضع الأمني بالضفة، وذهب بعضها إلى إمكانية حدوث هجمات ضد أهداف إسرائيلية بالداخل والخارج، وتوقع المحللون الإسرائيليون نشوب انتفاضة ثالثة، قائلين إنه لا مناص من بحث إدارته عن بدائل، وتناولت القناة الثانية العبرية عملية التفاوض بين الشرطة الإسرائيلية والبلدية استعدادا لإزالة البوابات، وتطرقت إلى غياب التوافق حول القرار من البداية وأنه تم دون موافقة الجيش والشرطة.
كما صرح شلومر هارنوس الرئيس الأسبق للشاباك ملقيًا اللوم على “من قرر وضع البوابات لم يتذكر التاريخ ولم يراجع الدروس، التي أثبتت أن 80% من الهبات الفلسطينية كانت لأجل الأقصى، ولا يجوز لإسرائيل اللعب بهذه النار” ، أما اليمين الإسرائيلي فهاجم التراجع، واعتبره تنازلاً عن سيادتها على الأقصى، وأخذ الهجوم بعدًا آخر في تصريحات منافس نتنياهو يعالون في حديثه لصحيفة أحرونوت “القرار وظف في معركة سياسية، يبحث فيها رئيس الوزراء عن طوق نجاة منملفات صفقته الفاسدة مع ألمانيا”.
مواجهة خاصة
ترى عيناك في مشهد القدس الأخير كل يصلي على دينه لكنهم مصطفون بالصف نفسه، يحكي هشام الرجبي باحث ومصور فلسطيني يقطن بالبلدة القديمة “يؤدي المسيحيون إلى جوارنا الصلاة، المسلمون الذين لم يعهدوا الدخول للمساجد فعلوها جكرًا (نكاية) في الصهاينة”.
نساء عائلات القدس تطبخ للمرابطين، ويتناوب الصبية على توزيع المياه، بعد أن رفضوا نهائيا أي مساعدات من أي جهة، تحت أي مسمى “حتى لا يركب أحد الموجه، أو يُسيس حراكنا” بحسب الرجبي.
يطلق المقدسيون على هذه الأحداث اسم “ثورة القدس وضواحيها”، ويقول هشام “توقفنا عن منح أي اعتبار لأمة إسلامية أو شعوب عربية أو حتى سلطتنا الفلسطينية، الاعتبار الوحيد تجاههم هو عدم اعتبارهم موجودين، لا حديث عن فصائل ولا نبرات حزبية، رغم حضورها جميعا، ويرجع الفضل للأقصى”.
استندت استماتة الفلسطينيين هذه المرة على احساسهم بضياع سيادتهم على ما تبقى لهم من مقدسات اغتصب الاحتلال معظمها، الأمر الذي أدى إلى تصاعد المناوشات كمًا بين الشباب وقوات الاحتلال بشكل غير معتاد، لتضطر الأخيرة إلى استدعاء خمس فرق إضافية، وقطع جميع الإجازات، وحل ضباط الشرطة الإسرائيلية محل جنود الجيش بالشوارع.
وصنع الفلسطينيون هذه المرة في ظل أزمات وحروب عربية داخلية، وغياب المواقف كما لم يحدث في كل الأحداث السابقة على ضعف هذه المواقف، إعلامهم الخاص، فوفقًا لهشام يتابع المرابطون بعضهم البعض، في المواقف والميادين المختلفة، واعتمدوا هذه المرة على البث الحي بهواتفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويتصدر خالد المغربي ونور الرجبي هذه التغطية عبر حسابيهما الشخصيان على فيسبوك.
ما بعد “الانتصار”
رحب المرابطون في بداية الأحداث على مختلف توجهاتهم بالمشاركة الميدانية والإعلامية، وشد أزر بعضهم البعض، وتداوال تفاصيل اعتصامهم.
ولكن الآن وبعد أن تراجع عدوهم عن قرار وضع البوابات، وإزالة الكاميرات المجسمة، وحواملها، صعّد المرابطون مطالبهم لتشمل فتح أبواب المسجد بما فيها باب حطة الذي كان قد شهد الاشتباك الأخير بين الجانبين والذي راح ضحيته شابان فلسطينيان، واثنان إسرائيليان.
بعد أن تحقق النصر، زال الرابط الذي كان يجمع بينهم، وعادت الاحتكاكات الداخلية للظهور بعد 12 يوم من الكفاح المشترك.
ويقول مصدر فلسطيني فضّل عدم ذكر اسمه لـ”المنصة” إن “الوضع حاليًا شبه متوتر، رغم أننا نكابر على جراحنا، لكن وراء الأكمة ما وراءها، البداية كانت حينما أجرت قناة فلسطين في سياق تغطيتها الإخبارية لخبر فتح الأبواب، اتصالًا مباشرًا مع أبو مازن، تشكره فيه، وترجع لجهوده الفضل في القرار، والتي لولاها ما تحقق ذلك”، مستكملًا “سرعان ما تطور الأمر لمواجهات ومشادات بين المرابطين في اللحظة نفسها، وتبادل اتهامات، طال حركة فتح نفسها، وليس شخص أبو مازن فقط، الأمر الذي بدوره أزعج ابنائها، الذين كانوا جزءًا من المرابطين”.
المصدر: موقع المنصة.
قسم: سياسة
تاريخ النشر: 9/8/2017
رابط القصة: https://almanassa.com/stories/1596