قررت وزارة الصحة في مارس الماضي غلق العيادات بالمستشفيات العامة، ليقتصر العمل بها على قسمي الاستقبال والطوارئ، لمنع الزحام والتجمعات، ضمن خطة الدولة المصرية للتعامل مع فيروس كورونا. دعت الوزارة المواطنين من غير المصابين بالفيروس إلى التوجه إلى المراكز والوحدات الصحية للحصول على الخدمات الطبية. وهو الأمر الذي حدث عالمياً كذلك حيث أظهرت دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية، أنه من ضمن 155 دولة، عطلت أكثر من 50% خدمات علاج ارتفاع ضغط الدم إما بشكل كامل أو جزئي، و49% علاج مرض السكري ومضاعفاته، و42% من خدمات علاج السرطان، و31% من الخدمات المرتبطة بعلاج حالات الطوارئ الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية. وهو الأمر الذي يرجع إلى إلغاء العلاجات المخطط لها، وانخفاض وسائل النقل العام المتاحة ونقص عدد الموظفين بسبب إعادة تعيين العاملين الصحيين لدعم خدمات كوفيد-19، حسب المنظمة.
وهو الأمر الذي يستدعي أن نتوقف لمراقبة تبعاته وآثاره على المواطنين المصريين.
المراكز والوحدات الصحية كبدائل للمستشفيات
تُصنف خدمات المراكز والوحدات الصحية بـ “الأولية”، أي أنها تقدم خدمات أساسية. يتركز دورها في فحص الحالة الصحية للمريض من قبل أحد مقدمي الرعاية، وإحالته تبعا لاحتياجه إلى المستشفى للحصول على مستوى ثانٍ من الخدمة. وبالتالي، لا تتمتع بمستوى عالٍ من الموارد الطبية اللازمة (أدوات أو كوادر بشرية) لتقديم خدمات متخصصة، في مقدمتها العمليات. أعلنت الوزارة بالقرار نفسه في مارس عن التزامها بمد الوحدات والمراكز بالمستلزمات الطبية وأطباء وصيادلة العيادات بالمستشفيات، كما استثنى قرار لرئاسة الوزراء تخفيض العمالة في المؤسسات الحكومية العاملين بالقطاع الطبي.
عمليا، كشف لنا عدد من مقدمي الخدمات الطبية بينهم الطبيب بإحدى الوحدات الصحية في أسوان هاني (اسم مستعار)، أن قرار خفض العمالة تم تطبيقه على مقدمي الخدمات الطبية، بالمخالفة لقرار مجلس الوزراء. أوضح لنا هاني أثناء اتصالنا الأول معه في يونيو الماضي أن معظم العيادات بالوحدة أوقفت عملها، حتى خدمات متابعة السيدات الحوامل، يستثنى من ذلك خدمات مثل صرف الألبان والتطعيمات وعيادة الطوارئ، تستقبل الوحدة حوالي كشف 15 يوميا، بعدما كانت الوحدة تستقبل 80. فسر ذلك بـ “عدم قدرة الوحدة على تحمل ضغط طلب الخدمات الصحية الذي حدث بعد غلق المستشفى الجامعي والعيادات الخارجية بأغلب المستشفيات وتحولها لعلاج كورونا، وأن طبيعة الموارد في الوحدات جعلتها غير مجهزة لتلقي مرضى من المخالطين لكورونا أو من المشتبه بهم”. أشار هاني إلى أن الوزارة لم تمد الوحدة بأي أجهزة أو أطباء كما أعلنت. أكدت على ذلك فنية تحاليل الوحدة الصحية بقرية ميت القرشي التابعة لمحافظة الدقهلية فايزة (اسم مستعار)[1].
يوجد طبيبة واحدة فقط في الوحدة الصحية لهذه القرية، (ممارسة عامة)، تتعامل مع جميع المرضى. توضح فايزة “العادي إن طول عمر الوحدة مفيهاش غير الدكتورة دي، طلبنا كتير دكاترة، بعتوا لنا من فترة اتنين بس رجعوا خدوهم تاني”. بالنسبة لفترة كورونا “الوزارة بعتت طبيب لمتابعة حالات كورونا والكشف عن المشتبه بهم، وطبيب تاني للترصد الخاص بالتطعيمات، ومشيوا من أسبوع.” حينما سألنا فايزة عن وجود دعم طبي أو تدريبات قالت إنها شخصيا لم تتلقّ شيئا من هذا القبيل، ربما الممرضات.
الفرق بين القرارات والتصريحات الرسمية والواقع العملي أدى إلى فقد العديد من الفئات والمناطق للخدمات الصحية في الأزمة الحالية، ومنها مركز إسنا بمحافظة الأقصر، ما جعل الأهالي هناك يدشنون وسم “إسنا بلا مستشفيات”. لكن وزارة الصحة ردت عليهم بالقول “إسنا فيها 3 مستشفيات” وفقا للسيد عبد الجواد وكيل وزارة الصحة بالأقصر، متناسياً أن مستشفيين من الثلاث (إسنا التخصصي والصدر) تم تحويلهم لاستقبال حالات مرضى كورونا وعزلهم، والمستشفى الثالثة (الرمد) غير جاهزة حتى لاستقبال حالات الطوارئ. بالتالي، يبقى المرضى من غير كورونا من دون خدمات صحية.
يدافع حسام فتحي الطبيب بمستشفى إسنا “يتعين على أصحاب الأمراض المزمنة والمرضى بغير الفيروس التوجه لتلقي العلاج بالوحدات الصحية لقرى المركز، وجرى توزيع جزء من أطباء مستشفى إسنا على هذه الوحدات، وحُولت مستشفى الرمد القديمة بإسنا لاستقبال حالات الطوارئ” لكنه يعود ليقول “بغض النظر عن واقعية تطبيق ذلك، وإن كانت المستشفى غير مؤهل لاستقبال حالات. يُسأل عنها مديرية الصحة بالمحافظة”[2].
ماذا يفعل المرضى؟
يعاني والد محمد عامر (مهندس)[3] من تضخم في البروستات نظرا لوجود ورم بها. لم يعتد اللجوء إلى المستشفيات العامة بكفر الشيخ إلا في حالات الطوارئ حينما لا يملك بديلا عن خدماتها التي ينعتها بالـ “متواضعة جدا، احنا اللي بنحرك الناس، الدكتور فين نكلمه نناديه، محتاجين حاجة اشتريها من برا”.
منذ بداية كورونا، توجه إلى قسم الطوارئ بإحدى مستشفيات المحافظة أكثر من مرة ما بين شهر مايو ويونيو، بخلاف ذلك اعتمد على القطاع الخاص لمتابعة حالته تجنبا للتعامل مع المستشفيات الحكومية. في شهر مايو تأزم وضع الوالد الصحي وأصبح لازما إجراء عملية، إلا أنه لم يستطع إجرائها لتزامن هذا الوقت مع شهر رمضان وحظر التجول والإجازات، في منتصف يونيو تقريبا تمكن من القيام بالعملية في إحدى المستشفيات الخاصة بالإسكندرية.
أنفق الوالد مكافأة نهاية الخدمة، والتي تراوحت ما بين 50 / 60 ألف جنيه ليغطي تكاليف العملية، اللجوء إلى مستشفى حكومي للقيام بهذه العملية كان قيد التفكير، يحكي محمد، لا سيما وأن الوالد يتمتع بتأمين صحي. “كان هيوفر علينا حوالي 25 ألف جنيه”، إلا أن تأزم الحالة الصحية له وعدم قدرته على انتظار الإجراءات الروتينية لإتمام دخوله في ظل وضع المستشفيات الحكومية، جعل المستشفى الخاص الخيار الأمثل. خاصة أن “90% من المستشفيات حاليا لعلاج الكورونا، والعمليات محجوزة للطوارئ ومن يوشكون على الموت، وأن حالات الكورونا الحرجة تستحوذ على أجهزة التنفس الصناعي والعناية المركزة”.
يعاني والدا محمد من مجموعة أمراض مزمنة، تستلزم علاجا ومتابعة طبية مستمرة. يحصل الأول عليه من التأمين الصحي، الذي يقول محمد أن كورونا لم تؤثر على صرفه رغم التأخر في صرفها لنحو أسبوع عن العادي، وتتولى الثانية الصرف عليها شخصيا.
في السادس عشر من يونيو الماضي، أعادت الوزارة فتح عيادات المستشفيات، بعد أكثر من شهرين ونصف، شكى المواطنين خلالها عدم قدرتهم على تلقي خدمة صحية، ولا سيما من يعانون أمراضا مزمنة. ما انعكس أيضا على ارتفاع عدد الوفيات بكورونا بين أصحاب الأمراض المزمنة، الذين تأثروا من صعوبة صرف الأدوية الخاصة بهم في ظل الغلق، وترجمت معدلات الوفيات بالفيروس تدهور حالتهم، إذ استحوذوا على 95 % منها. يبدو من تركيز الوزارة عليهم في قرار فتح العيادات أنها أدركت شدة احتياج هذه الفئة وأن الوحدات والمراكز لم تتمكن من تأدية دور المستشفيات.
في نفس القرية التي تعمل بها فايزة، حاورنا سيدة خمسينية (عفاف)، يحتاج وضعها الصحي، كونها من مرضى الضغط والقلب إلى متابعة مستمرة، ولا يسمح دخل زوجها (إمام مسجد متقاعد) ولا عدد أفراد أسرتها (4 أولاد) بالإعتماد على القطاع الخاص وحده، وتضطر لزيارة الوحدة[4]. منذ بداية كورونا، زارت عفاف الوحدة الصحية بالقرية ثلاث مرات. مرتين، لإجراء تحاليل، تشيد بجودة نتائجها لديهم كما هو بالمعمل الخاص، أما الزيارة الثالثة فترجح أنها كانت لأجل الحصول على دواء تشكو من رداءته، وتحديدا حبوب الضغط، إذ أن فاعلية الدواء متدنية، لذا تضطر لأخذ قرصين منه إن اضطُرت إليه ولم تتمكن من شرائه من صيدلية خارجية، كما تشتري علاج القلب الذي تحتاجه باستمرار ولا يتوفر في الوحدة.
بالنسبة لعفاف لم تأت كورونا بتغييرات، لا على تجهيز ومستوى خدمات الوحدة ولا على تعاملها الشخصي معها. لم يؤثر الفيروس على طلبها للخدمة أو قرار ذهابها للوحدة لأنها لا تؤمن بهذا الكلام” اللي هيصيبنا هو اللي هيصبنا، أنا بقول يارب بس تعديها على خير”.
لما أتينا على ذكر العاملين بالوحدة، فاجأتنا عفاف بقولها “دكتورة الوحدة مبتكشفش على رجالة”، تعلل “جوزها كان منصب كبير في الشرطة والعيلة دي مسيطرين على الوضع في البلد”. تواصلنا مع مصدرين آخرين من القرية نفسها، للتحقق من كلام عفاف، وأكدا لنا بدورهما ما أخبرتنا به حول منع الذكور دخول الوحدة. أوضحا أن هذا الأمر عُرف معمول به بين سكان القرية ولا يخفى على أحد[5]. تشرح صفية (اسم مستعار لأحد المصدرين) “أي واحد عيان بيوصف لأي ست من أهل بيته وتوصل للدكتورة عشان توصف له دوا.” بذلك يبقى ذكور هذه القرية خارج التغطية ويتحتم عليهم الذهاب إلى عيادة خاصة أو مستشفى ميت غمر، المركز التابعة له القرية.
تقدر فايزة عدد الكشوفات التي تجريها طبيبة الوحدة “مش قادرة أحدد أرقام بالظبط بس تقريبا كنا بنستقبل 50 أو 70، كورونا زودت الضغط”. على الرغم من تأكيد فايزة على تعقيم الأدوات يوميا، تشير عفاف وصفية إلى أنه باستثناء إلزام المرضى بارتداء الكمامة للدخول، لم تر أي منهم إجراءات مختلفة عن المعتاد، بما فيها التعقيم.
يتكرر الأمر نفسه في الوحدة الصحية التي يعمل بها هاني، حيث لا يجري تعقيم بعض الأدوات، وبناء عليه تتوقف الخدمات المعتمدة على تعقيم هذه الأدوات مثل بعض وسائل تنظيم الأسرة، بالرغم من وجود ممرضة مسؤولة عن مكافحة العدوى.
بين المرضى وخدمات الوزارة.. خوف وجهل وشك
بعد قرار إعادة فتح العيادات الخارجية للمستشفيات، ومع بدء انخفاض أعداد المصابين بكورونا، بدأت وزارة الصحة تفعيل بعض الخدمات الصحية ضمن حملة 100 مليون صحة. استهدفت الخدمات النساء والأطفال ومصابي الأمراض المزمنة، الفئة الأخيرة يجري تفعيل الخدمة لها بشكل تدريجي من مجموعة محافظات تلو الأخرى.
في الاتصال الأول مع هاني، قال إن المرضى من غير المصابين بكورونا أقبلوا على العيادات الخاصة في البداية لتعويض عجزهم عن الحصول على خدمات صحية، لكن هذا لم يستمر، لأنه من ناحية توقف معظم الأطباء في العيادات الخاصة أيضا، نظرا إلى إصابة عدد كبير منهم بكورونا نتيجة مخالطتهم للمصابين. من ناحية ثانية، تراجع إقبال الناس نتيجة المعاناة الاقتصادية، وفقد الكثير من الناس لوظائفهم[6].
في الاتصال الثان، عددَ هاني طرق إعلام الأهالي بالخدمات الصحية التي عادت للعمل، بين تعليق ملصقات ورقية داخل الوحدة، ومتابعة وزيارة الرائدات الريفيات، التي كانت متوقفة من بداية كورونا، لكنها ستعاود العمل قريبا، على حد وصفه. بدأت عيادات الباطنة والأطفال والأسنان عملها مجددا ولكن ليست بنفس القوة[7]. لا تعلم عفاف أي معلومات عن حملات توعوية أو إعلانات عن خدمات تتيحها الوحدة في هذه الفترة من الرائدات الريفيات أو خلافه، حتى أنها لا تعلم عن حملة فحص الثدي، برغم أن موقع بيتها المقابل للوحدة يمكنها من معرفة أخبارها ورؤية دخول وخروج العاملين بها. تعلق “مفيش الكلام ده الحاجات دي مش موجودة، الوحدة دي كأنه محدش بيخشها، دي لما بيجي لها تفتيش وميلقوش الدكتورة يروحوا لها البيت”. يؤثر هذا على مصداقية أي إعلانات أو خدمات معلن عنها، لأنها لا تصدق حدوثها، فلا تتابع من الأصل، ما لم يأتيها خبرا من جاراتها بحصولهم على الخدمة، تصدق صفية على كلامها.
الجهل بوجود بعض الخدمات وعجز آلية الإعلان عبر مواقع الإنترنت أو الصحافة[8] يُبقي فئات بالأرياف ومن أبناء الطبقات المهمشة والبسيطة خارج نطاق تغطية بعض الخدمات الصحية من ناحية، مع الخوف من الإصابة وعدم الثقة في مستوى الخدمات ومصداقية التصريحات الحكومية عند فئات أكبر من الناس من ناحية أخرى.
وهو ما يدعمه كلام شروق ياسر (25 سنة)؛ التي أصيب والدها بوعكة صحية بالتزامن مع قرارات الوزارة وفتح عيادات المستشفيات، ذهب على أثرها إلى “مستوصف”[9]. شخصت حالته بالتهاب في القولون، لكن تأزم الوضع دفعهم لزيارة مستشفى خاصة أكبر. عرف وقتها أن التشخيص السابق خطأ، وأنه يحتاج إلى عملية استئصال المرارة. وهو ما دفعهم للجوء إلى مستشفى خاصة، “كورونا سببا رئيسيا في أننا لم نلجأ إلى مستشفى قطاع عام لإجراء العملية، لأنه في تقديرها، مستشفيات الحكومة في العادي غير جيدة سواء على مستوى كفاءة الأطباء والإهمال والنظافة”. يعزز الظرف الحالي من “الرواسب السيئة” على حد وصفها[10] . يفترض أن يتحمل المصنع الذي يعمل به الأب تكلفة العملية، البالغة حوالي أثني عشر ألف جنيه. يسير علاج الأب بشكل ودي “بابا بيشتغل هناك من 30 سنة، فـنوعا ما عنده صلاحيات، ربما مش متاحة لموظفين تانيين، بحكم معارفه وإنه علاقته وثيقة بصاحب المصنع” بالنسبة لسهولة الحصول على خدمة داخل مستشفى خاص، تصفه “الموضوع سهل عشان طول الوقت بتكعبل في ناس وسطاء، دايما في حد احنا عارفينه يعرف دكتور، فكان سهل إننا نكلمه ويرد علينا، ونتابع معه بقى”.
لا تشكل الخدمات المستحدثة من قبل وزارة الصحة فارقا بنسبة لمحمد لأسباب تتعلق بالروتين والبطء المعروف، بالإضافة إلى أنه يعتبر دخول الشخص إلى مستشفى حكومي الآن مجازفة بإصابته بكورونا، وهو ما تتفق معه شروق.
تبرر الوقائع التي يروي لنا العاملين بالقطاع الطبي هذه المخاوف. تتولى وحدة ميت القرشي متابعة المتعافين من فيروس كورونا حسبما أفادت فايزة. “احنا بنستقبل كل الناس في الوحدة وممكن فعلا ناس يكون عندها كورونا”، كل ما يستطيع العاملين بالوحدة فعله هو التشديد على ارتداء الكمامات ومحاولة إبعاد الناس عن بعضهم. يوافق ذلك تصريح الممرض بقسم الاستقبال بمستشفى المنصورة العسكري “محمد” لنا، عن أنهم خصصوا الطابق الرابع لعزل ومتابعة حالات كورونا من العسكريين منذ منتصف مايو. لكنهم يستقبلون ويجرون عمليات للمرضى من غير حاملي الفيروس بالطوابق السفلية، ولا سيما للمدنيين، كي تزيد من الدخل المالي للمستشفى، إذ يدفع المدنيين نظير الخدمة على عكس العسكريين. تؤدي ازدواجية مهمة المستشفى بين تقديم خدمات لمرضى من غير المصابين بكورونا، ومرضى كورونا أيضا لزيادة احتمالات العدوى بينهم أو عن طريق مخالطة العاملين فيها.
يقول محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء “أن يكون هناك مكان مغلق معروف الدخول والخروج منه، مما يساعد في رصد الحالات المصابة، وبالتالي لا يمكن أن يكون العزل في مستشفى مفتوح يستقبل المرضى باستمرار على مدى اليوم[11]“.
محاولة لفهم الخلل
الوزارة عبئت مواردها الصحية لمواجهة الفيروس دون وجود ضمانة لتوفير خدمات مماثلة للمرضى من غير الفيروس، لأن النظام الصحي نفسه غير كافي لتغطي الاحتياجات الطبية لجميع المواطنين، بموجب الأرقام والوقائع وإن زعمت في تصريحاتها خلاف ذلك. تمثل مستشفيات القطاع الحكومي 37.4% من موارد القطاع الصحي بالبلاد، تضم كلٍ من المستشفيات العامة والمركزية التابعة لجهات حكومية، بإجمالي 691 مستشفى.
إذا كانت المفارقات بين ما يُقر ويُفترض أن يكون وبين ما يحدث، تبرر جزء من الخلل الذي يحجب الخدمات الصحية عن المرضى، إلا أن ما يقف وراء ذلك يكمن بالأصل في الفقر الخدمي بقطاع الصحة ككل. تدير وزارة الصحة الأزمة في حدود ما لديها من موارد تعاني التفتت، وتحتاج إلى تطوير وزيادة مخصصات الصحة، وهي مسؤولية يتحملها من يضعون السياسة المالية للدولة، ويحددون أوجه الصرف الحكومي، وليس وزارة الصحة وحدها.
في الموازنة العام المالي الجديد التي وصفها وزير المالية محمد معيط بأنها “أكبر موازنة للدولة”، خصصت 3.33 مليار جنيه للهيئة العامة للرعاية الصحية، بالإضافة إلى بعض أوجه الإنفاق الأخرى من رفع لمخصصات التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة لتصل مجتمعة إلى 10.6 مليار جنيه، و885 مليون دعم للتأمين الصحي الشامل لغير القادرين من أصحاب المعاش الضمان الاجتماعي”. لا يتجاوز هذا المبلغ ربع المخصصات التي وعد بها معيط للصحة أمام البرلمان في إبريل الماضي، ولازال أقل من النسبة الدستورية المحددة بـ 3% من الناتج القومي الإجمالي.
تعقب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية “الإنفاق الحكومي على الصحة زاد بحوالي 20 مليار جنيه، إلا أن الموازنة لم تستجب بالقدر الكافي لتحدي جائحة كورونا، كما لم تستغل الحكومة الفرصة للاقتراب من الحد الأدنى الدستوري للإنفاق على الصحة، أما البيانات المتاحة لا توضح أين يذهب ثلاثة أرباع الزيادة في المخصصات، ما لا يتيح المتابعة والتأكد من حسن إنفاق الزيادة على الصحة”.
المصدر: مؤسسة المفكرة القانونية
قسم: صحة.
تاريخ النشر 4/8/2020