cropped-Logo-1.png

الخوف من الالتزام.. هل يتجاوز البشر فكرة الزواج؟

تبلغ نسبة المصريين غير المتزوجين من سن 18 فأكثر، وهو السن القانوني للزواج، في مصر 24% من حجم السكان، بحسب إصدار مصر في أرقام – السكان.

من بين هؤلاء المواطنين أناس اختاروا عدم الزواج طواعية، على مدار الأشهر الأخيرة كنت أناقش عددًا منهم، اكتشفت أني أعرف على الأقل 10 أشخاص منهم في محيط معارفي سواء أصدقاء أو زملاء في العمل، ممن تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 45 سنة واختاروا عدم الزواج والعيش وحيدون. بدت مواقف الجنسين من رفض الزواج مركبة، وصعّبت علي فهم قرارهم.

قادتني هذه الحوارات إلى أسئلة؛ مثل تأثير القرار غير التقليدي باختيار العيش وحيدًا سواء بين الرضا وعدم الرضا عليه، خصوصًا وأن القرار كان إراديًا في الحالات التي قابلتها.

من بين عشر أشخاص تحدثث إليهم وافق اثنان فقط على مشاركة قصصهم علانية لي في هذا المقال.

البحث عن السعادة

مروة عمرها 31 عامًا، درست بكلية التجارة، وتعمل ممثلة ومُهرجة بمسرح الشارع، وتسافر إلى محافظات مختلفة لتقديم عروضها في شوارع المدن التي تذهب لها. لا ترغب بالإنجاب، أو تقاسم حياتها مع زوج تضطر لوضعه في اعتبارها. هذا ببساطة منطقها في رفض الزواج.

السعادة في تقديرها هي تصفيق الجمهور لها بعد العرض، أو الطيران من بلد لأخرى. وهو لا يستقيم في وجهة نظرها بالبقاء في نظام اجتماعي يحتاج إلى استقرار كما الزواج. لن تنتهي معه الأمور بسهولة، لأنها ستصير مكبلة بمصائر أشخاص آخرين، وفقا لها.

بالرغم من أن تقديسها للاستقلالية فلازالت تعيش مع والدها في منزل العائلة بالإسكندرية، بعد وفاة الأم، وزواج أخواتها الأربع، ولم تفلح محاولات الأهل في إقناعها، على مدار أكثر من 10 سنوات.

وافقت في مرحلة مبكرة من عمرها على مقابلة “عرسان العيلة”، بعد ضغط الأسرة. بمرور الوقت تحول الأب من الشخص الذي قرأ فاتحتها مع أحد العرسان، إلى شخص يرد على انتقاد الأهل لموقفه تجاهها، “أنا بثق في اختياراتها”. يوافق على سفرها ومواعيد شغلها، إلا أنها تميل لعدم مشاركته تفاصيل كثيرة عن عملها بالتمثيل والرقص، وكذلك أخواتها.

دخلت مروة في ثلاث علاقات لم تنتهي أي منها بالزواج. أدركت في نهاية أخر علاقة لها، قبل عامين، استحالة الحصول على الحرية الكاملة في وجود طرف آخر يشاركها حياتها، تسعى في علاقاتها بأي شخص إلى الاتفاق على مجموعة أمور يأتي عدم الزواج في مقدمتها، بالإضافة إلى أن أي منهما غير ملزم تجاه الآخر بشيء، لكن عمليًا لا تسير اﻷمور على ما يرام في تلك الاتفاقات.

تتبدل المواقف بفعل التعلق، يبدأ الطرف الآخر في إقناعها بتغيير شكل العلاقة، لأنها لم تعد بمفردها. بعد وقت طال أو قصر، ترفض وتنتهي العلاقة. هكذا الامر ببساطة، لا تستطيع إجبار أحد على التضحية برغبته في تكوين أسرة. 

تضحك حينما تضرب مثال بأحد المرات التي قررت فيها السفر لعرض مسرحي خارج مصر. رفض حبيبها، آنذاك، بدعوى الفردية في اتخاذ القرار. طلب منها أن تنتظر ليسافرا سويًا، لكنها لم ترى متعة في أن يضطر أحدهما لضغط نفسه في سبيل أن يكونا معًا.

يفرض العيش المشترك على الطرفين في أي علاقة مجموعة التزامات، مثل جلسات نقاش بينهما، اعتقد كل من ارتبط بمروة أنها تعاني من الخوف، وشعرت هي أن كل واحدٍ منهم يحاول إقناعها بالزواج والأطفال وهو عكس الاتفاق التي فرضته في بداية أي علاقة، ما يعني أنهم أشخاص غير مناسبين لها. حتى وإن تمنت بقائهم فإنها كانت تدعوهم للرحيل، طالما اختلفت أهدافهم معها.

كان الهدف من كل علاقة دخلتها هو مشاركة لحظات السعادة والحزن مع شخص أخر، هذا الشئ هو ما تفتقده الآن بعد أن توقفت عن الدخول في علاقات عاطفية. لكن على أي حال فإنه شعور أخف وطأة من ألم تعلقها بشخص سيختفى من حياتها يومًا ما.

مع ذلك، تؤمن بقدرة الحب على التغيير “في حاجات فيا تطورت مع الحب، إلا فكرة الزواج”. تصف رأيها في تلك المسألة بالـ “فولاذي”.

تحت تأثير فشل العلاقات الزوجية وارتفاع حالات الطلاق يتوقع موقع “we are solo living” المعني بخلق مساحة لغير المرتبطين، زيادة معدل الأفراد الذين يعيشون بمفردهم مشيرًا أن الأمر أصبح غير مقتصر على الدولة المتقدمة، ولكن امتد إلى الدول الدينية وفقًا للموقع.

لا تشعرها تفاصيل الحياة الزوجية بالانبساط، يشعرون بالمتعة حيال أمور غير منطقية بالنسبة لها؛ “بنتي سننت”.. “ابني راح التمرين”. تسبب لها تلك المحادثات شعورًا بالتعاسة، تقارن مروة تلك الأشياء دائمًا بالرضا لحظة الوقوف على المسرح، وفي الوقت نفسه تحن إلى مشاعر الاحتواء.

تطرق بنا الحديث إلى الجنس في بعض الأحيان، قالت إن الرغبة لديها ليست قوية قياسًا على ما تسمعه “هو أنا كنت فاكرة نفسي asexual، بس اكتشفت إن الرغبة عندي مش زايدة، يمكن ده من أسباب مخلتنيش ملهوفة على الجواز”.

لكن هذا لا يلغي كونه احتياج إنساني طبيعي يستغرق وقت ثم يذهب، تضيف، تضع مروة الجنس ضمن قائمة الحاجات اللطيفة التي تنقصها، لكنها لا تمانع في أن يشبع أي شخص هذا الاحتياج بالطريقة التي تناسبه، فوجود خيارات متعددة يساعد في تعويض الاحتياج الجنسي، سواء بمشاركة شخص آخر، أو بشكل ذاتي.

تُقدر الأمم المتحدة نسب الأسر المكونة من شخص واحد (one person household) في الدولة النامية أقل من 10%، ينطوي مفهوم أسرة الشخص الواحد على عيش أحد الأفراد بمفرده من دون زواج أو أطفال، وفقًا لموقع Deloitte للأبحاث الريادية.

يمثل أحمد، 40 عامًا، نموذجًا لهذا النوع من الأسر، يعيش في شقة الأسرة بالمعادي بعد زواج شقيقيه، يبدأ حديثه بعبارة “أنا عارف إن الجواز هو إني أشيل واتشال”، إلا أن اختبار تحمل المسؤولية أثناء مرض والديه لفترة طويلة، كشف له مدى صعوبة أن يتولى رعاية شخص آخر أيًا كان.

لا تشكل التكلفة المالية حاجزًا أمام زواجه بحكم الطبقة الاجتماعية التي ينحدر منها، وعمله كمهندس ديكور، لكنه يُعرّف المسؤولية بأنها تحمل الأعباء على مستويات أكبر، كالعاطفي والاجتماعي.

فبعكس الشائع أدى زيادة الشعور بالاستقلال الاقتصادي إلى ميل عدد أكبر من البشر لفكرة العيش بمفردهم، مقارنة بما مضى، وفقًا لنتيجة بحث”إيرين كلينبيرج” أستاذ علم الاجتماع في جامعة نيويورك، في مقال نشره موقع “جلوبال أند ميل“.

لم تبنَ علاقة أحمد مع والده على التفاهم نظرًا لاختلاف الفكر بينه وبين رجل الدين، الذي قضى عمره يعمل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسعودية.

أتى أحمد بعد أن قرر والديه عدم الإنجاب، أصيبت والدته بمرض السكري فكانت سببًا لوصف والده، الصعيدي الأصل، بأنه شؤم، رغم ذلك “نجحت علاقته بأخواتي” يشعل سِجارته الأولى ويردف “مش عايز أقول عنه حاجة وحشة بعد موته، لكن أنتِ فهمتي؟”.

لكن قرار عدم الزواج مر بمراحل متباينة بين الثبات والتردد، تحول طموحه من حتمية التصرف بشكل مثالي لفهم طبيعة الحياة المليئة بالخطأ والصواب، دفعه للسعي وراء الارتباط الرسمي قبل نحو ست سنوات.

تراجع مرة أخرى لصالح العزوبية، هذه المرة لأن طريقة الأسر المصرية في التعامل مع الزواج ليست إلا عرض بضائع، على حد وصفه. بالإضافة لتصنع الفتيات أمامه كـ “عريس، العيب مش فيا لوحدي، المجتمع مريض نفسيًا”.

يعتقد أحمد أن الأصل في العلاقات العاطفية هو الرغبة بالاستمرار. في علاقاته المتعددة لم يكن يرغب الدخول فيها من البداية، لكنه يفسر إقدامه عليها بـ “أنا بني آدم”. تنتهي العلاقة بمجرد أن تلّمح الفتاة إلى خطوة أكثر جدية لارتباط رسمي، على حد قوله.

يرى أن جزء من مشكلته هو”تذكر والده، خوفت أبقى زيه”.

وفقا للتقرير التحليلي لإحصاءات الزواج والطلاق، الصادر في يونيو 2018، عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن معدل الزواج انخفض تدريجيًا ليصل إلى 9.6 لكل ألف من السكان، عام 2017، مقارنة بالعام 2013، الذي كانت نسبة الزواج فيه 10.7 لكل ألف من السكان.

حضور الأنثى طوال حديثه، سواء تمثلت في الأم أو القريبات، يعني بالنسبة له قدرة المرأة على تلوين الحياة بأكملها، يعلق أحمد “بعصر على نفسي لمونة عشان أقدر أكمل من غيرها”. كلما نظر لعدم سعادة رفاقه من الجنسين، بحياتهم الزوجية، والمخاوف المرتبطة بالفقدان والصدام، تمسك بمميزات قراره، وأغفل عيوبه.

يرفض دعوات التجمعات الأسرية، ويحمد الله على حياته حينما يسمع حواراتهم. يحب أطفال الأسرة لكن ما أن يبدأوا في البكاء حتى يذهب بعيدًا عنهم. ينتهي الضجيج ويعود كلًا إلى منزله، “بكون في الخروجة بتاعتهم ملك، بيحسدوني، لكن لما بروح بكون أفقر منهم”.

يفتقد من الزواج الأكل المنزلي، تذكيره بمواعيد الدواء وقت المرض، يستحضر الملامسة والمؤانسة العاطفية من طبطبة يداه على قطط منزله، يساهم ذلك في سد هذا النوع من الاحتياج.

أما الاحتياج الجنسي فيرتبط لديه بالاستمتاع كهدف من الممارسة، هذا الهدف يمكن تحقيقه بطرق مختلفة، كالرياضة مثلا، يبدو ذلك صعبًا لكن ليس مستحيلًا.

المتعة الجنسية لا تستغرق وقتًا طويلًا، لذا لا تستحق أن يُلقي شخص بنفسه في البحر لأجلها، وفقًا له. يتطرق إلى إمكانية ممارسة الجنس في أنماط أخرى من العلاقات بين الرجل والمرأة، طالما أنها لا تضر بالأخيرة، فضّل أحمد عدم نشر أغلب مشاركته في هذا الجزء من الحديث، مضيفًا “أنا مش راهب”.

يلتقط سيجارة، يطلق يداه لترسم صورة لنفسه في المستقبل بالإشارة إلى رجل يرتدي قميصًا ملونًا ويحمل جسده وشما، يجلس على البحر كنجوم الانستجرام، وفقًا لتعبيره، ويملك من المال ما يكفي ليهب إلى ذاته الاستمتاع بالحياة.


ثمة اهتمام في الفترة الأخيرة بخلق جدالًا حول مسألة الخوف من الالتزام… فريق جدل أنتج في عام 2013 أغنية بعنوان الخوف من الكوميتمنت، حققت الأغنية خلقت ثقافة في السنوات الأخيرة باسمها، لذلك كانت لها نصيبًا في عنوان المقال، لكننا فضلنا ترجمة “الكوميتمنت”. 

 

المصدر: موقع المنصة.

قسم: مجتمع.

تاريخ النشر: 29/4/2019

رابط القصة: https://almanassa.com/stories/3801

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *