cropped-Logo-1.png

مسلسلات رمضان في عام المرأة

في الرابع من أبريل/ نيسان 2016، أعلنت إحدى عضوات المجلس القومي للمرأة موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي على إعلان عام 2017 عامًا للمرأة المصرية “وتعزيز مشاركتها ومحاولات النهوض لتحسين وضعيتها، بعدما أثبتت جدارتها ووطنيتها في المواقف المختلفة، ولم تتردد في تلبية نداء الوطن” كما جاء في كلمة لمايا مرسي رئيسة المجلس.

علقت بعض المؤسسات ومنها الأمم المتحدة والمجلس القومي للمرأة على قرار الرئاسة بكونه يمثل فرصة للانتباه لقضايا النساء ما بين التمكين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والقضايا التي تؤول معاناتهن فيها لتحيزات وفجوات نوعية، بداية من حقوقهن في التعليم والتدريب، ومرورًا بقضايا الأحوال الشخصية والمرأة المعيلة، وحتى قضايا العنف بما تضمه من زواج القاصرات والختان والتحرش وغيرها.

وفي عام المرأة، استمرت دراما رمضان في مكانتها كقبلة ترفيه أولى للمشاهدين في البيوت، وعاملاً مهمًا في تشكيل الوعي والاتجاهات العامة تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية. وفي هذا التقرير، ننظر إلى الصورة التي قدمتها الدراما الرمضانية للنساء، ورؤيتها لقضاياهن بين عام المرأة والعام السابق عليه.

الدراما في عام المرأة

منذ سنوات تفرض أجندة اهتمامات الدولة نفسها، على القضايا التي تتناولها الدراما التلفزيونية في رمضان. ففي العام الماضي، ومع الاهتمام العام بقضية التحرش، قدمت دراما رمضان مسلسلي “الخانكة“، و”صد رد” اللذان تناولا تلك القضية ضمن حلقاتهما.

وفي ظل ارتفاع نسب الأعمال التي تتعدد فيها الشخصيات النسائية بشكل عام، وتؤدي النساء فيها أدوار البطولة الرئيسة بشكل خاص، وبروز جيل جديد من كاتبات ومخرجات الدراما التلفزيونية وأبرزهما الثنائي مريم نعود وكاملة أبو ذكري؛ تقدمت قضايا النساء البارزة لمقدمة الأعمال. فمن بين أكثر من 30 مسلسل قدمتها الدراما الرمضانية في 2016، لعبت نساء أدوار البطولة الأساسية في ما يقارب نصف هذا الرقم. ولكن رغم تلك الزيادة الكمية في بطولات النساء والتنوع في أنماط وتركيبة الشخصيات النسائية، ظل هناك قدر من الغضب وعدم الرضا تجاه الصورة التي قُدمت لهن في تلك الأعمال الدرامية.

وفي عام المرأة، استمرت النساء في تصدر البطولة الرئيسة أو احتلوا أدوارًا مهمة في البطولة الجماعية لبعض المسلسلات الرمضانية، ولكن هل غيرت حقيقة كون مصر تحتفل بعام المرأة من طبيعة تقديم النساء وطرح قضاياهن في الأعمال الدرامية؟

كليشيهات

لعدة سنوات تصدت نيللي كريم لبطولة بعض المسلسلات التي تطرح قضايا النساء الاجتماعية بقوة، وعلى رأسها مسلسل “سجن النساء” الذي رآه البعض دراما نسوية؛ وهذا العام شاركت النجمة نفسها في بطولة مسلسل “لأعلى سعر” ما خلق توقعًا بتقديمها نموذجًا نسائيًا مختلفًا وغير نمطي.

لكن المسلسل انقسمت فيه الشخصيات النسائية بين نموذجين رئيسين مكررين، الأول هو النساء المضحيات المستسلمات وعلى رأسهن الزوجة التي تدع وراءها مهنتها وأحلامها من أجل بيتها وزوجها وهو الدور الذي قامت به نيللي كريم. والثاني هو نموذج النساء المتسلطات الخائنات اللعوبات اللائي يدمرن حياة من حولهن غيرة وطمعًا، وعلى رأسهن الدور الذي قامت به زينة.

الشخصيات التي قدمها المسلسل للنساء شخصيات نمطية، لا تحمل أبعادًا متعددة، ولكل منها لون وصفة واحدة مسيطرة. يقدم المسلسل شخصياته النسائية محمّلة بجرعة عالية من التنميط، مستدعيًا قوالب شائعة عما يجب أن تكون عليه النساء المخلصات، وما تكون عليه النساء الخائنات.

وبخلاف الشخصية الرئيسية “جميلة” التي جسدتها نيللي كريم، سيطر نموذج المرأة المتسلطة، القادرة على خداع الرجل وتدمير حياة الآخرين بداية من نموذج ليلى -“زينة”، مرورًا بـ”عبلة” الزوجة الخائنة بلا مبرر درامي مقبول، ووصولاً لنموذج الأم المتسلطة.

ينتصر المسلسل لاستسلام الزوجة المقهورة وعودتها للزوج المتسلط الخائن، ويقدمه باعتباره انتصارًا للخير على الشر، في إحياء للصورة المجتمعية النمطية لما يجب أن تكون عليه الزوجة الصالحة التي تتخلى عن أحلامها وتقبل خيانات وتسلط زوجها باعتبارها “زلات” يمكن التغاضي عنها والتعايش معها، في الوقت الذي لا يتسامح فيه المسلسل مع الزوجة الخائنة بنفس القدر.

يجدر الذكر هنا أنه على الرغم من امتلاك البطلة “جميلة” للنصيب الأعظم من الأسباب التي تدفعها للانتقام وتبرر جنوحها للشر أو الخداع، إلا أن خط سير الدراما لم يبرز هذه الصفات في المرأة الوحيدة التي تملك دوافع ومبررات درامية للشر، ومال إلى إسناد مظاهر الشر لنساء أخريات ينتمين إلى قوالب درامية نمطية، خاصة في علاقة المرأة بالرجل، وأبرز تلك الشخصيات ليلى- زينة، التي أغفل النص الدرامي توضيح أي خلفيات لتركيبتها المعقدة، مكتفيًا بإشارة سطحية لكراهية والدتها لوالدها، دون تتبُّع أثر ذلك عليها ولو بقدر بسيط من التركيز.

ضمن دراما هذا العام قدم مسلسل “حلاوة الدنيا” نموذجًا يعد جديدًا على الدراما التلفزيونية، وهو نموذج المرأة التي تعاني السرطان وتقاومه بقوة من خلال البطلة “أمينة”- هند صبري، وهي امرأة ناجحة قوية وطموحة، تظل على قوتها نفسها حتى في لحظات أوجاعها، وتدير مشكلاتها العاطفية والأسرية بقدر كبير من التوازن.

قدم المسلسل من خلالها نموذجًا مميزًا ومغايرًا لما هو تقليدي في الدراما التلفزيونية لمن تعانين أمراضًا خطرة. ويعرض المسلسل مزيجًا من الشخصيات المختلفة، ففي مقابل “أمينة” المنظمة التي تعرف وجهتها، نجد شقيقتها “عاليا” الفتاة التي لا تعرف ماذا تريد، ومسار حياتها عبارة عن مجموعة تجارب غير مكتملة، وضائعة، وما تعده نجاحًا هو اختيارها لشريك ذكوري، وصديقتها سارة الأم المطلقة المشوشة معظم الوقت، التي تفتقر للثقة في قدرتها كما يفتقر إليها المحيطون بها.

حاول المسلسل عرض نماذج مختلفة في تناوله لشخصيات النساء، ففي مقابل نادية “أم أمينة وعاليا”، المتحفظة التي تكرس حياتها لهما، وتبدو قلقة من ظهور أي أسرار تتعلق بماضيها، تأتي “زوزو” جدة الفتيات، التي برغم سنها المتقدم إلا أنها نموذج للسيدة المحبة للحياة، الخفيفة، والأقرب للانطلاق منها للتحفظ، وكأن المسلسل يحاول طرح نماذج متباينة لأنماط النساء دون الانتصار لأحدها على حساب الآخر، جاعلاً من اختلافهن وسيلة لرسم شبكة معقدة من التفاصيل الإنسانية الثرية، التي أمكن من خلالها ترجمة مخاوفهن وأحلامهن. بشكل عام، ستجد كثير من النساء تفاصيل من حيواتهن وشخصياتهن بهذا المسلسل.

أنماط متنوعة

مسلسل “لا تطفئ الشمس” قدم أنماطًا متنوعة من خلال ما تضمنه من أدوار نسائية،كان نصيبها من النمطية أقل حظًا من غيرها في باقي المسلسلات، وتراها الكاتبة حنان شومان: “نماذج غير عامة” وغير شائعة في الدراما التلفزيونية.

تنخرط نساء المسلسل في علاقات عائلية وعاطفية متشابكة، بها مزيج مكثف من المشاعر والأفكار التي تتشابه حينًا وتتناقض حينًا آخر، من خلال أم نمطية، مضحية، يمثل عجزها عن قبول تغيرات أولادها نقطة تحول في حياتها وحياة نساء غيرها بالمسلسل.

الأم “إقبال”، لها خمسة أبناء منهم ثلاث فتيات: “أفنان” الطبيبة حادة الطباع، التي يعكس عنفها وسلوكها الخارجي هشاشة داخلية، تبدي عدم الاهتمام بمن حولها إلا أنها تراقبهم وتستخدم ما تجده من سقطات ضدهم، تجتمع بداخلها تناقضات بين الطيبة والرغبة الدائمة في الانتقام، ينفر من حولها منها، عدا زميل العمل الذي تقبل الارتباط به، وفي حين ظهر السيناريو دوافع أفنان، وانعكاس طفولتها والمحيطين بها عليها، ما يدفع المشاهد لتفهم جزءًا كبيرًا من تصرفاتها، التي -وإن رفضها- إلا أن بإمكانه التعاطف معها.

الابنة “إنجي” نموذج آخر لا تتعرض له الدراما العربية إلا كي تصمه. فهي فتاة رومانسية، ثم زوجة حائرة بين رجلين تتخبط مشاعرها بينهما وتسعد باهتمامهما بها، ثم آية الشقيقة التي لا تمانع التورط في علاقة مع أستاذها المتزوج من امرأة تقليدية يتكرر معها نموذج الزوجة المعطاءة المتسامحة التي قدمتها نيللي كريم في “لأعلى سعر”.

لكن السيناريو لم يهتم بمنح خلفية للشخصيات أو تبيان دوافعها، وبهذا؛ وبرغم أنه يقدم نماذج مغايرة ومختلفة للنساء؛ إلا أنه لم ينجح في تقديمها بالعمق اللازم.

مسلسل آخر سيطرت عليه النماذج النسائية المختلفة هو “الحساب يجمع” الذي عالج قضية عمل النساء في مهنة الخدمة المنزلية، وهي من المهنة التي تعاني صاحباتها من النبذ وما يشبه الوصم الاجتماعي.

موضوع المسلسل جديد إلى حد بعيد وغير مستهلك، ويعرض المجتمع من وجهة نظر هؤلاء النساء اللائي يعملن وسط ظروف بالغة الصعوبة ماديًا واجتماعيًا.

يستمد عالم المسلسل خصوصيته من عدة عوامل منها حياة بطلاته في وسط شعبي، تتولى فيه النساء الإنفاق بينما تتحكم فيه سلطة الرجال.

المعالجة الدرامية للمسلسل ركزت على قضايا العاملات بالخدمة المنزلية بشكل مختلف عن المألوف دراميًا، حيث اعتاد كتاب الدراما تقديم شخصية الخادمة من خلال بعد واحد، غالبًا ما يتمحور حول السرقة والخيانة وإفشاء الأسرار والنميمة. لكن المسلسل وظّف بعض هذه التفاصيل في بناء الشخصيات دون أن يجعل منها محورًا للمعالجة الدرامية أو ركيزة وحيدة لنماذج النساء فيه، مازجًا بينها وبين غيرها في علاقة تأثير متبادلة. بشكل عام غلب على المسلسل نموذج المرأة التي تسعى لتحسين وضعها الاقتصادي والاجتماعي في ظل قلق وترقب دائمين.

تحوُّل إيجابي

بينما مثلت المرأة في دراما العام الماضي شخصيات يغلب عليها طابع سلبي مثل “رحمة” في مسلسل “فوق مستوى الشبهات“، محرك الشر في كافة الأزمات بالمسلسل، وفي “أفراح القبة” قدم المسلسل شخصيات نسائية سلبية لكن يمكن التعاطف معها أو فهم دوافعها للشر، كشخصية “فتنة” المرأة التي تعاني اضطرابًا نفسيًا، و”بدرية” الأم السوقية الفقيرة التي تشجع فتياتها على أن يكن بائعات هوى في مقابل المال. ولكن بعيدًا عن سلبية هذه النماذج إلا أنها يجمع بينها كونها شخصيات حية، مختلفة، بعيدة عن الأنماط المعتادة للنساء في الدراما العربية.

 

كندة علوش

حظت نساء رمضان 2016 إذن بقدر أكبر من التنوع والابتعاد عن التنميط عن دراما رمضان في السنوات السابقة عليها، وربما في دراما هذا العام أيضًا.

غضب حقوقي واستسهال إنتاجي

أعربت بعض المراكز الحقوقية والجهات الرقابية، والنقابات المهنية عن غضبها من النماذج التي تطرحها المعالجات الدرامية للنساء، وفي مقدمتها لجنة رصد صور المرأة في الدراما الرمضانية التابعة للمجلس القومي للمرأة، التي أصدرت بيانًا بعد أيام قليلة من بدء عرض دراما رمضان هذا العام، تنتقد فيه ما أسمته “مظاهر تشويه صور المرأة المصرية في هذه الأعمال المسيئة”، واستخدام الإيحاءات الجنسية والسباب والألفاظ البذيئة التي تنال من النساء.

في تقريرها العام الماضي، رصدت اللجنة نماذج النساء كما ظهرن في أعمال رمضان: “إن المرأة الراقصة وفتاة الليل، المريضة نفسيًا، والمطلقة التي تخطف الزوج من زوجته، والمرأة العاملة غير الناجحة في حياتها الأسرية، كانت من أبرز الصور التي قدمت المرأة خلال دراما رمضان 2016”. وخلص التقرير إلى أن المرأة ظهرت بصور سلبية في حوالي 52.4% من مجموع الساعات الدرامية لمعروضة، فيما ظهرت في صور إيجابية في 46.6%، وكانت الصورة محايدة في1% فقط من الأعمال المعروضة.

في ندوة حول صورة المرأة في مسلسلات رمضان قالت الكاتبة الصحفية كريمة كمال إن الدراما ليس عليها تهميش النماذج السلبية لحساب النماذج الإيجابية والناجحة، واتفق معها الكاتب محمود مسلم بقوله “المسلسلات تعبر عن واقع بكل ما فيه، بالاضافة إلى أن صناع الدراما يمثل رمضان بالنسبة لهم موسم لابد أن يجذبوا المشاهدين لأعمالهم [فيه] بخلطتها الخاصة”.

على الجانب الآخر لا تؤمن الكاتبة الصحفية حنان شومان بضرورة وجود مسلسلات لتناول قضايا تخص المرأة فقط أو الرجل فقط، “أفضل العمل الصادق في قضية مكتوبة بشكل حقيقي وواقعي، تمثل الجميع وتنعكس على المجتمع ككل”. مضيفة أنه “توجد مسلسلات تتناول قضية لها تداعيات، وهبوط وصعود، تجمع بين الرجل والست. مسلسل (كلبش) على سبيل المثال لا يتناول قضية تتعلق بالمرأة بشكل مباشر، وهو حكاية لضابط هارب، وحتى البطولة فيه لرجل لكن نلاحظ دور المرأة وتأثيرها طوال الأحداث”.

وتعلق شومان على انتقادات القومي للمرأة: “لو أن للمجلس توجها حقيقيًا لتوصيل رسالة وتوجيه المشاهد كما يقول، لظهر ذلك في اهتمام مستمر طوال العام بالدراما والإعلانات، دون أن يقتصر ذلك على رمضان فقط”.

وردا على احتمالية أن يكون الاهتمام الرمضاني نابع من كونه موسم ارتفاع كم وتأثير التعرض للدراما، تقول شومان: “في حال كان ذلك هو دافعهم فإنه من الأولى أن يترجم هذا الاهتمام لعمل درامي يقدمه المجلس نفسه أو يشرف عليه، على الأقل سيكون لديه الرؤية والدراسة التي تكفل له تقديم أعمال قيمة”.

وتعليقًا على الشكل الذي قدمت به العلاقات بين الرجال والنساء في دراما هذا العام تقول شومان: “المسألة تخضع لحكاية المسلسل نفسه، وكيف تدار الأحداث، والغرض من المعالجة الدرامية، ففي الأعمال التي يكون محور الأحداث فيها رجل، لا يغيب دور السيدات، وحتى في حالة تصدر النساء للمشهد الدرامي، وفي حكايات الرجال أنفسهم، تتشابك العلاقة بين الرجل والمرأة، عكست ذلك نماذج عدة في مسلسل (حلاوة الدنيا)، فالمسلسل قدم الرجال أقل قوة من النساء، في أعمار مختلفة بداية من شخصية عادل الكبيرة في السن، الذي تركته حبيبته فظل وحيدًا طول حياته، يشعر بالذنب والندم، ودور سليم مريض السرطان الذي يتراجع عن رفضه للعلاج، تحت تأثير أمينة وحبه لها، ولرغبته في البقاء من أجلها، وحتى خطيب الابنة المتسلط. الفيصل في النهاية لما يود الكاتب أن يركز عليه”.

 

المصدر: موقع المنصة.

قسم: ثقافة.

تاريخ النشر: 5/7/2017

رابط الموضوع: https://almanassa.com/stories/1517

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *