cropped-Logo-1.png

في مصر… كيف نفكك خوفاً يوحّد السجين والسجان؟

في 2017 أوقفت أمنياً للمرة الأولى، على خلفية تغطية صحافية كنت أجريها لجنازة شخصية عامة، أمّنها مجموعة من الشرطيين، يرتدون ثياباً مدنية. علقت جملة أحدهم في رأسي: “الظَابط اللي صورتِيه مرعوب”. لم أعرف عمَّن يتحدث.

فهمت لاحقاً أن سبب توقيفي هو التقاط صور لحاضرين بينهم رجال أمن. لا شيء كان يشير إلى كونهم كذلك. أثارت الجملة المذكورة سؤالاً تسعى هذه القصة إلى فهمه: كيف يمكننا فهم الخوف وتفكيك فعله ورد الفعل عليه لدى مقبوض عليه لا يعرف اسماً لجريمة قد تودي به إلى حيث لا يعلم، وشرطي يخوّله عمله احتجاز هذا وتوقيف ذاك، في دولة تعيش حالة طوارئ ممتدة لأكثر من عامين ونصف؟

قرابة ثلاثة أشهر اقتضتها عملية البحث عن شرطي يشتبك بحكم قطاع خدمته مع وقائع اعتقالات أو احتكاكات ميدانية أخرى ذات صلة، لأن موافقته على الحديث للإعلام بات أمراً محظوراً في السنوات الأخيرة. أخيراً تواصلت مباشرة مع ضابط يعمل في قطاع الأمن المركزي، ووافق على الحديث بعد علمه بالغرض الصحافي من القصة.

عبد الحميد ضابط حديث السن، خريج دفعة 2016. وفقاً لتراتبية الأمن المركزي يكلف خريجو كلية الشرطة من الملازمين بالخدمة في قطاع  الأمن المركزي بناء على طلبهم. يتسلم قيادة مجموعة قوامها من 32 إلى 37 جندياً.

يستعد عبد الحميد وفقاً للتراتبية نفسها ليكون ضابط فرع بحلول السنة الرابعة على تخرجه. يُذكر أن ضباط الفروع يأتون على رأس قائمة الفئات المكونة لقوات شرطة الأمن المركزي. ويُعنى هذا القطاع بمواجهة كافة التحركات الجماهيرية من تظاهرات وانتفاضات، ويشمل قوات مكافحة الشغب والإرهاب.

خدم عبد الحميد (25 عاماً) في أماكن متفرقة جغرافياً، مثل سيناء وبعض أقاليم الدلتا، وهي متباينة في درجة الخطر. يدفعه ذلك إلى اعتبار أنه يرى كل أنواع الخطر، على حد تعبيره. يتجنب الإجابة على شعوره وأفكاره أثناء عمليات القبض على أشخاص على خلفية وقائع سياسية بالقول إن مهمته الحالية تقتصر على التأمين فقط.

حينما يكون الإنكار اعترافاً بالخوف

في موضع آخر من الحوار، يعترف بأن “القبض والاقتحامات بتاعي أنا”. يعد الإفصاح عن الدواخل العاطفية والعقلية له ضمن المحظور على الشرطيين فعله بموجب تعليمات وزارة الداخلية، وفقاً لعِلمه.

وتنص تعديلات القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة على أنه “يحظر على الضابط أن يفضي بغير إذن كتابي من وزير الداخلية بمعلومات أو إيضاحات عن المسائل السرية بطبيعتها أو بمقتضى تعليمات كتابية صادرة عن الجهة المختصة أو يفشي المعلومات الخاصة بالوقائع التي تتصل بعلمه بحكم عمله أو ينشر الوثائق أو المستندات أو صورها المتعلقة بنشاط هيئة الشرطة أو أساليب عملها في مجال المحافظة على سلامة وأمن الدولة، ويستمر هذا الالتزام قائماً بعد انتهاء الخدمة”.

في البداية، أنكر عبد الحميد وجود الخوف في قاموس حياته اليومية. “مفيش الخوف بتاعك دا عندي”. أسأله: “ماذا تقصد بالخوف بتاعي وهل ترى الخوف معيباً؟”، فيجيب: “أشرحه لك إزاي، مش هتفهمي ده”.

يصمت لثواني. وما أن يهم بالحديث حتى يصمت لثواني أخرى. يجمع كلماته: “طول ما الواحد مأمن نفسه، يبقى سايبها على ربنا”. يقول إنه مستعد دوما لوقوع الشر بمراقبة ما يحدث داخل وخارج الحرم الأمني، أي مكان تواجده، بالسيطرة على الأوضاع، عن طريق وضع خطط مسبقة.

طبيعة قطاع الأمن المركزي تفرض عليه تواجداً ميدانياً في الشارع، حيث يُحتمل وقوع أحداث غير متوقعة، ومواقف مفاجئة باستمرار، يصعب التنبؤ أو التحكم فيها بخطط. يرد على ذلك بالإتيان على ذكر الخوف بتحفظ. يستبدل كلمة الخوف بالقلق أولاً، “ممكن أكون قلقان من المراقبة دي” ثم تخرج منه الجملة الثانية هكذا: “بدل ما القلق يزيد بقطع الخوف دا بالإبلاغ على طول حتى قبل التحقق”، ثم يتراجع بقوله إن هذا ليس خوفاً وإنما رغبة في تأمين الناس، وخوف عليهم. لكن “خوفه” على الناس لا يغيّب خوفه على نفسه. يقول: “أنا مسؤول عنهم وعن كل حاجة. خوفك على الناس أكتر من على نفسك”.

المصدر: موقع رصيف 22.

قسم: سياسة.

تاريخ النشر: 21/12/2019

رابط الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *