لا توجد وسيلة أخرى في قريتهم، لتلقي معرفة من هذا النوع، يقضي الرجال النهار في أشغالهم، والنساء في أعمالهن المنزلية، يتحلقون ليلًا حول مائدة العشاء، بعد عودة الرجال، ولا سيما في العائلات التي تعمل بالفلاحة، وتمتلك أرضاً زراعية، مثل زوج راجية.
وتشير راجية إلى ندرة المرات التي أحست فيها بالشبق تجاه زوجها، أو أبدت رغبة نحوه، دون دعوة منه، كما تجري العادة، تقول: “قُليّل خالص لما أحس إني عايزاه، يمكن تفوت شهور بين كل مرة والتانية”.
السكوت أيضًا علامة للرفض
لا تستخدم راجية كلمة “المتعة” أو مرادفاتها في حديثها عن علاقتها الجنسية، تكتفي بوصف حالها معه بأنها غير سعيدة. لا تبوح بما تعانيه لأي من المحيطين بها، حتى لو كانت أختها، تبرر ذلك، بعدم فهم أو تقبل مثل هذا النوع من الكلام، الذي ربما يؤخذ عليها.
مؤخرًا بدأت راجية تشكو إلى زوجها من نفورها وعدم رغبتها بالعلاقة الجنسية، بكلمات مُبَطَّنَة، ويعتقد زوجها فيها البرود الجنسي، تُعلِّل له ذلك بأنَّه لا يتحدث إليها أبدًا، تسير العلاقة بوتيرة جافة، تنعكس على الممارسة الجنسية بينهما، لا مُقدِّمة أو خاتمة مِمَّا ترغب به، يقابل شكواها تارة بالاستنكار في جملة: “حاعمل إيه أكتر من كدا يعني” قاصدًا العلاقة الجنسية، وبالتعليل في جملة “يا ستي بحبك، هقول إيه تاني يعني؟!”، لكن التغيير لا يصاحب أياً مما سبق، بحسب راجية.
حالة الخوف النسائي التي تخبرنا عنها راجية، يربطها المسح السُّكَّاني الوطني عام 2014 بالممارسات التحكمية للزوج. ربع النساء اللاتي أقررن بالخوف من أزواجهن تعرَّضن لثلاث ممارسات تحكّمية في أغلب الأحيان.
ويتجاوز عدد الزوجات المصريات اللاتي أُجبرن على ممارسة العلاقة الحميمة نسبة 9% وفقًا لمسح التكلفة الاقتصادية للعنف عام 2015، وفقًا للإحصاءات الرسمية للدولة.
أمّا سوزان (35 عاما) فتعتبر علاقتها بزوجها بعد مرور أكثر من 15 عاماً “طقساً روتينياً”، يريده الرجل، فتُلبِّيه. تزوجت سوزان قبل أن تكمل عامها العشرين. .”هو اللي مربيني” تشير بهذه العبارة إلى تأثيره فيها، لا فارق عمري كبير يفصل بينهما، ولكن بيت فسيح في إحدى ضياع الشمال اللبناني جمعها به، تعرفت على الحياة من خلال زوجها، نظرًا لحداثة سنها آنذاك. كرَّست حياتها لمنزل يليق به، كواحد من كبار الضيعة.
وفيما يتعلق بعلاقتها الجنسية معه تقول أنه بفضل “غلظته” باتت لا تستمتع بنفسها معه، وبسبب تحكُّماته ضعفت قدرتها على التعبير عن رغباتها.
تقول سوزان: غير مسموح للنساء أن تعلن عن خيالها أو شكل الممارسة الذي توده، يرحب الناس بإعلان الرجل عن شهوته، لكن إذا فكرت المرأة بتركه مثلًا، لأنها تميل لرجل آخر تصبح عاهرة.
تستشهد سوزان باستنكار أسرتها لشكوى زوجية من إحدى قريباتها. خالفتهم سوزان في موقفها حينما علّقت: “قلتلها بالعربي المشبرح، إذا منك مقتنعة فيه كرچل، ليش تاركتيه يلعب بجسمك”، تلقت على خلفيته اتهامات عائلية، بالفجور ومحاولة زرع الشك بداخل قريبتها.
اغتصاب الأزواج وكراهية الأجساد
محاولات سوزان لإصلاح العلاقة الزوجية تبوء بالفشل دائماً، لا يتقبل زوجها طقوسها قبل ممارسة الجنس. تخشى أحيانًا مصارحته حتى لا يعتبرها “ش…..”. تتمنَّع بشكل مُستتر، رغبة منها في تعبيرات لطيفة، أو طريقة ناعمة للدعوة، فيردّ بأنها هي من لا تجيد تهيئة المناخ المناسب له، وفي النهاية تستمع إلى ردّه “أنا هيك، وما بتغير”.
ترضخ سوزان، لتحافظ على تماسك الأسرة كما قيل لها.
في دراسة للتجمع النسائي الديموقراطي اللبناني عام 2017، شملت نساء من عمر 16 إلى 55 عاماً، يأتي الاغتصاب الزوجي قبل الاغتصاب من قبل أشخاص غرباء، بلغت نسبة الأول 17.7% مقارنة بـ 11.8% للثاني، وفقاً لعيّنة الدراسة.
ويُعرف الاغتصاب الزوجي بأنه إجبار الزوج لزوجته على ممارسة الجنس، وهو جريمة غير معترف بها عربيًا، على مستوى 16 دولة بالمنطقة، بحسب موقع ويكي الجندر، في مقدمتها مصر ولبنان، إلا أن الأخيرة نصت في قانون العنف الأسري المُقرّ في مايو/ أيار 2014 على “كل من أقدم بقصد استيفائه حقوقه الزوجية في الجماع أو بسببه على تهديد زوجه، عوقب بإحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد 573 إلى 578، وتشدد العقوبة في حال معاودة التهديد”.
ورصدت الدراسة نفسها مشاعر كراهية الزوجات لأجسامهن، مشيرة إلى حساسية مسألة كراهية الجسد ص55. وتستشهد الدراسة بروايات النساء اللاتي تعرضن للعنف أو أُكرهن على ممارسة الجنس من قِبل الزوج، وكيف دفعهنَّ ذلك إلى الشعور بأنَّهنَّ غير نظيفات، علاوة على خوفهِنَّ الدائم، وهو الشعور الذي يعصف بسوزان، نتيجة المناخ العام الذي يخيم على بيتها إن هي تمردت على سيطرة الزوج في كافة نواحي الحياة بينهما، وليس الجنسية فقط، ولاسيما في غياب دعم الأب والأخ، كما تقول.
تنتقد مفهوم زوجها لوصف السرير كونه الطريقة الوحيدة للتعبير عن الحب. تصبح المغازلات بعيدة عن هذا المفهوم، ولا سيما في فترة الدورة الشهرية، التي تشتاق خلالها أن يحتويها.
“ما بيعود فيا أسمع شي، أو أحكي” تقول سوزان، تنتظر لتنتهي دورتها الشهرية، لتقدم له نفسها كطريقة وحيدة للترضية عن حالة الصمت والتعب خلال هذه الفترة، إلا أنّ هذا يجعلها تشبه نفسها بـ “السلعة، ما بده إياكي، إذا ما استفاد منك”.
ويُفسِّر كتاب “الوقوف على الدوافع الجنسية للنساء من الثأر إلى المغامرة” دور التغيّرات الهرمونية لدى النساء في شعورهن واستجاباتِهن الجنسية، على سبيل المثال زيادة هرمون البروجسترون لدى النساء، يؤدي لأعراض متلازمة ما قبل الحيض، وهو ما يلعب دوراً في خفض رغبتهن الجنسية.
الجنس كسلاح في العلاقة الزوجية
في السنوات الأولى من الزواج لم يكونا على وفاق. شجارات دائمة، واتهامات مُتبادلة بالبخل وعدم التقدير، تركت معها الشابة العشرينية ميّ بيت زوجها، وعادت بطفلتها لمنزل العائلة. وصل الخلاف بينهما إلى المحكمة، لكن بعد تدخُّلات أسرية، عادت ميّ مرة أخرى، كان ذلك قبل أكثر من ثلاث سنوات.
«ايوا، دا بيحل أي مشكلة» تُشير ميّ إلى الجنس كسبب رئيسي في تحسّن علاقتها بزوجها. اعترف لها الأخير بأنهما بدا أفضل تجاه بعضهما البعض، بعد أن استطاعا احتواء المشكلات السابقة، والتي كانت العلاقة الجنسية حجر الأساس فيها، وفقًا لميّ.
يخصص المؤلف ديفيد باس الفصل السادس من الكتاب لتناول دوافع ممارسة النساء للجنس من باب الواجب فقط، كنوع من الشعور بالمسئولية أو الذنب. جاءت موافقة النساء على ممارسة الجنس تجنبًا لتذمر الشريك من الأسباب الشائعة للُممارسة، بحسب ما أكدت المشاركات في الدراسة، التي يُعنى بها الكتاب.
درست ميّ التربية لأربع سنوات. تزوجت بعد أن أنهت دراستها الجامعية مباشرة، في محافظة دمياط، حيث وُلدت.
بنبرة متشككة تقول ميّ «طبعا مش هتصدقيني، بس أنا معرفتش الموضوع دا غير في آخر سنة كلية». تستغرب كيف بلغت العشرين، دون الحد الأدنى من الوعي الجنسي. كانت تعلم بوجود شيء ما خاص بين الرجل والمرأة في الزواج، لكنها لا تعرف ماهية هذا الشيء، ُترجع السبب وراء ذلك إلى نشئتِها المحافظة. لازالت تصف الحديث في الجنس إلى اليوم بالـ “عيب”، وتشدد على ضرورة الكلام عنه بحذر كما تربَّت.
في تقدير ميّ، المرأة عاطفية بطبعها، يسعدها الجزء العاطفي من العلاقة الحميمة، والتفاصيل البسيطة هي مركز اهتمامها في الغالب، بعكس الرجل الذي اعتاد الحصول على متعته من الممارسة بدون أن يولِّي زوجته فيها اهتماماً كبيراً. تستثني من ذلك بعض الحالات، مستشهدة بإحدى صديقتها التي تملك رغبة أكبر من زوجها.
بالرغم من الخلافات الزوجية التي عاشتها، وشكَّل الجنس جزءً منها، لكنها تعتقد أن نقص معرفتها به، انعكس إيجابا عليها، لأن زوجها شعر بالسعادة حيال ذلك، تقول ميّ: “جوزي اعتبرني صفحة بيضاء” كما يصف المصريون انعدام الخبرة في الممارسة الجنسية، “وبدأ يعلّمني”، للوهلة الأولى غلب عليها الإحساس بالنفور من الجنس. إذا ما ذُكِر خطر على بالها مشاهد القُبَل والأحضان السينمائية، الشكل الوحيد الذي ألفته قبل الزواج، والوحيد الذي تقبلته بعده. كان الزوج هو معلمها، الذي سعى إلى شرح أنماط أخرى غير تلك المشاهد السينمائية. بمرور الوقت بدأت في استيعاب ما يقوله.
تقول ميّ: “واحدة واحدة، قدر يخلّيني، أفهم وأستمتع، وأحس إن ده حب”.
لاحقًا مالت ميّ لتثقيف نفسها بالقراءة، والإطلاع على مصادر للتوعية الجنسية، حتى لا يقتصر اعتمادها في الفهم على دروس الزوج وحده. قررت أن تستغلّ الجنس كطريقة فعَّالة للتأثير في زوجها، “كنت بجرب إن دا يوصلني لهدفي” تحكي ميّ بعد أن أدركت الجنس كسلاح للمرأة، على حد قولها، تحصل به على مكتسبات في علاقتها بزوجها.
تشرح كيف ينعكس ذلك على تعامل الرجل مع زوجته. يدفعه لتدليل المرأة، تقديرها، حبها، والدفاع عنها في المواقف المختلفة. اختبرَت ميّ ذلك، فقد كانت تعيش في إحدى طوابق العمارة ذاتها التي تسكنها عائلة الزوج، حيث يتشاركون كثيرا من التفاصيل اليومية.
وتُضيف ميّ عن نظرتها الحديثة للجنس بعد الزواج، والذي وصفته بالسلاح “دا بقى يدايقيني على فكرة”، لأنه يحوّل طريق التفاهم بين الزوجين من القلب والعقل إلى الجسد والفراش.
وفي النَّهاية قد تتمكن ميّ وشبيهاتها باستخدام الجنس كسلاح من تنفيذ رغبات وتطلّعات أخرى، ولكن يظل التساؤل مطروحاً حول حق المرأة في التلذذ بالممارسة الجنسية، وحقها في الشكوى من ذلك بالعلن، في مجتمعات تُربي فتياتها على الجنس باعتباره “عيباً”.
المصدر: موقع رصيف 22.