cropped-Logo-1.png

مساواة في المرض وليس في العلاج: عن عدالة الرعاية الصحية في زمن الوباء في مصر

 تطرح مشاهد زحام المرضى أمام المستشفيات والموتى الملقون على الأرض من ناحية ومن ناحية أخرى مشاهد مشاهير نجحوا في الوصول إلى الحق في رعاية صحية بفعل رأس مالهم الاجتماعي[1]، مفارقة ترتبط بالعدالة الصحية في خضم المواجهة الشرسة، التي يتسلح البعض فيها بامتيازات تزيد فرص نجاته، بينما يعاني البعض أوضاعا مأساوية. فحسب تقرير صادر منذ عامين للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن متوسط مخرجات الوضع الصحي المصري، يخفي فروقا نوعية هامة داخل الشرائح السكانية، فيعاني النظام الصحي من التفتت في جوانبه المختلفة، ما يؤدي إلى انهياره وخلل في إنصاف الحصول على الخدمات، كما يقلل من إتاحتها وجودتها خاصة لدى الفئات الأضعف.

في حالة تفشي وباء صحي مثل كورونا، تتعمق الفجوة الصحية بين الفئات المختلفة. فبخلاف تدني جودة الحياة لدى الفئات الأفقر، بحيث يصبحون أكثر عرضة لخطر الإصابة والموت بالفيروس، فإن مستوى وصولهم إلى الخدمات الصحية يضعف مع ارتفاع الطلب على خدمات صحية محدودة ورديئة، تتناقص باستمرار ويزيد الإحتياج مع ارتفاع منحنى الإصابة. يتقصى هذا المقال عن العدالة في العلاج سعيا إلى الوقوف على حقائق تتعلق بأوجه المساواة الصحية بين المواطنين في ظرف وباء كورونا.

  • ماذا تخبرنا مقارنة البيانات؟

بالرغم من أن وزيرة الصحة هالة زايد، بدأت مؤخرا تشارك بعض البيانات التفصيلية التي تخص المرضى، إلا أن غياب النسبة الأكبر منها عن البيانات اليومية الصادرة عن الوزارة، يعيق الوقوف على عدالة توزيع هذه الموارد الطبية ولا يعطي مؤشرات لتحديد قدرة الفئات المختلفة على الوصول إليها. وبالإعتماد على البيانات المعلن عنها من رئاسة الوزراء حول عدد المستشفيات الحكومية المخصصة لعلاج الفيروس وبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول نسب الفقر في كل محافظة وكثافتها السكانية وتوزيع مستشفيات القطاع الخاص، نستنتج الأمور الآتية:

 

  • غياب العدالة في توزيع المستشفيات:

  • بالنسبة لعدد السكان: رغم تقارب عدد السكان بين محافظتي القاهرة والجيزة، إلا أنه يتوفر في الأولى 35 مستشفى حكومي لعلاج الفيروس بينما تم في الثانية تخصيص 17 مستشفى فقط.
  • بالنسبة لعدد المصابين: بالرغم أن الدقهلية ليست من المحافظات الخمس الأكبر عددا من حيث الإصابات؛ إلا أن نصيبها من المستشفيات الحكومية المخصصة لعلاج الفيروس (28)، بينما في الفيوم تم تخصيص 9 مستشفيات فقط رغم تجاوز عدد الإصابات بها عدد الإصابات في الدقهلية.
  • بصورة عامة، يتناسب توزيع المستشفيات الخاصة عكسيا مع معدلات الفقر ووقوعها ضمن مناطق مهمشة في الصعيد والمناطق الحدودية، بينما تتركز أغلبها في المحافظات المركزية والأقل فقرا. كلما زاد عدد الفقراء، نقص عدد المستشفيات الخاصة، دون أن يقابل النقص تغذية حكومية بمستشفيات لعلاج الفيروس، ويقوض من نسب حصول سكانها على رعاية هم الأكثر احتياجا لها. باستثناء القاهرة، فالمحافظات الخمس الأكثر إصابة ليست هي الأكثر في عدد المستشفيات.

وفقا للجهاز المركزي، يبلغ عدد المستشفيات الحكومية 691. خصصت الدولة أكثر من نصف هذا الرقم، للتعامل مع كورونا. تبقى محددات اختيار وتوزيع هذه المستشفيات غير معلنة. تواصلنا مع مكتب وزيرة الصحة لمساءلتها حول كيفية مراعاة عملية اختيار المستشفيات للعدالة الاجتماعية لضمان قدرة الفئات المختلفة على الوصول إليها، لكن مسؤولة الإعلام والعلاقات العامة للمكتب منال سالم، قالت إنها غير مصرح لها بالرد على الأسئلة الصحافية، وأنه يجب مراجعة المتحدث الإعلامي باسم وزارة الصحة خالد مجاهد الذي لم يرد بدوره على اتصالاتنا. تكرر ذلك حينما تحدثنا إلى مسؤولة الإعلام بالبنك القومي للدم إنجي فريد لسؤالها عن سبل تحقيق المساواة بين المرضى في الوصول إلى بلازما الدم، كإحدى وسائل تعافي مرضى كورونا ولا سيما مع بروز مجموعة من التجار يديرون “بيزنس بلازما الدم” التي توفرها السوق السوداء لمن يدفع أكثر مع غياب الرقابة عليها. علقت فريد “حضرتك عارفة إني دي معلومات تتعلق بالأمن القومي للبلد زي ما بيقولوا، ولازم يكون فيه تصريح”.

صحيا، يوضح الأمين العام لنقابة الأطباء إيهاب طاهر “إن وزارة الصحة لم تحدد الإشتراطات اللازمة لاختيار مستشفيات العزل الطبي لمرضى ومصابي الفيروس والأماكن التي تتواجد فيها هذه المستشفيات” مشيرا إلى أنها لم تراع كثيراً الإشتراطات العالمية المتعلقة باختيار مستشفيات العزل، كأن تكون المستشفى في منطقة غير سكنية، نظرا لظروف تفشي الوباء، والحاجة إلى استخدام ما يتوفر لدى الدول من موارد، لم يكن لديها سلفا الإستعداد الطبي الجيد للتعامل مع كورونا[2].

الحق في الصحة بين الرواية الرسمية والشعبية

يزعم المتحدث الإعلامي لوزارة الصحة أن مصر لا تواجه أزمة في وجود أماكن في المستشفيات لاستقبال مصابي كورونا؛ ويبرر شكاوى نقص الأسرة بمسائل تنظيمية، ويشير “استخدمنا حتى الآن أقل من 50% من مستشفيات الصحة، وما زالت لدينا أسرة تستوعب الكثير”. إذا كان هذا صحيحا، فلماذا تحوّلت منصّات التواصل الاجتماعي إلى ملجأ للكثيرين للبحث عن مستشفيات وأسرة وغرف رعاية مركز، إلخ، ومن هم العاجزون عن إنقاذ أنفسهم وأحبائهم بإيجاد الرعاية التي يحتاجونها، وبالمقابل من يتسنى لهم الحصول عليها وكيف؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، اعتمدنا على جمع وتحليل 50 تدوينة كعينة عشوائية، عبر موقعي فيسبوك وتويتر، بشرط أن تُعنى بالحق في الصحة للعلاج من فيروس كورونا تحديدا، وتوثق رحلات البحث عن المستشفيات المخصصة لعلاج كورونا، وأن تكون في الفترة ما بين أوائل مايو، تزامنا مع احتساب المصابين بالمئات، وإعلان الحكومة عزمها لرفع الحجر، وحتى 20 يونيو 2020.

من خلال هذه العينة، نلاحظ أن 24 مصابا وجدوا مكانا في مستشفى (15 مستشفى حكومي، و7 مستشفيات خاصة)، و26 مصاب لم يجدوا مكاناً، مما نتج عنه وفاة 10 منهم مقابل إثنين من الذين تلقوا رعاية صحية.

طبقيا، يمكن تقسيم الفئة الأولى إلى ثلاث شرائح، الأولى دخلت مستشفيات خاصة بفضل علاقات ذويهم، حيث يعمل معظمهم في مجال الصحافة والعمل العام، والثانية ينتمي أصحابها إلى فئة الطبقة العليا، يعملون ما بين مدراء ومسؤولين في الحكومة، أما الثالثة فهي من أبناء الطبقة المتوسطة ما بين طبيب ومسعف. أما الفئة الثانية: فواحد وعشرين مصاب ممن لم يتمكنوا من دخول المستشفى ينتمون للطبقة المتوسطة، وأربعة من الطبقة الأقل، مقابل مصاب واحد من الطبقة العليا.

عمريا، تساوى الشباب وكبار السن في الفئة الأولى، أما بالنسبة للفئة الثانية، فقد كان توزيعها (تسعة مصابين من كبار السن، وسبعة عشر شابا).

جغرافيا، تصدر سكان القاهرة والجيزة الفئتين (في الفئة الأولى إثنى عشر مصابا، وستة عشر في الفئة الثانية). في حين توزّع بقية مصابي الفئة الأولى ما بين الإسماعيلية والصعيد، والشرقية والدقهلية، توزع بقية مصابي الفئة الثانية بين محافظات عدة في الوجه البحري والقبلي. زمنيا، انقسمت الفئة الأولى إلى (أحد عشر مصابا في مايو، وثلاثة عشر في يونيو) أما الفئة الثانية فانقسموا إلى شطرين بالتساوي. 

المفاضلة بين المرضى في السياق المصري

تفرض ظروف الوباء في جميع أنحاء العالم[3]، تحدي المقايضة بين المرضى. لذا استندت الطريقة الثانية على إجراء حوارات مع أطباء يعملون في مستشفيات علاج كورونا بأماكن متفرقة من الجمهورية، لمعرفة كيف تحدث في السياق المصري، وهل هي مرتبطة بالحالة الطبية فقط، أما أن هناك معايير أخرى تحتكم بها.

بدأ جميع الأطباء الذين تحدثوا إلينا، بالإشارة إلى أن حالة المريض هي المحدد الرئيسي لدخوله المستشفى. أوضحوا الفروق بين ثلاثة أنواع من الإصابة: “خفيفة، متوسطة، خطرة”، وأن الأخيرة هي من تستدعي الدخول، يليها المتوسطة، أما الإصابات الخفيفة فلا داعٍ لاستقبالها وإنما تعزل منزليا، وتتابع من الطب الوقائي. حينما أتينا على ذكر المقايضة والدور الذي تلعبه محددات واقعية أخرى مثل الواسطة، لم ينكر أي منها وقوع ذلك.

يُرجع حسام فتحي الطبيب[4] في مستشفى عزل إسنا بمحافظة الأقصر مسؤولية المقايضة بين المرضى إلى جهة التنسيق في مديريات الصحة بالمحافظات. يوضح “نحن جهة تنفيذ تابعة لأمانة المراكز الطبية المتخصصة، مش مسؤولين عن اختيار الحالات”. يشرح فتحي “يُقيّم الأطباء في أقسام الاستقبال بالمستشفيات المخصصة من قبل وزارة الصحة لعلاج كورونا وضع المرضى المشتبه في إصابتهم، ويحددون مستوى الإصابة لديهم. تدرج أسماء من تحتاج حالته إلى إجراء مسحة نظرا لكثرة العدد. في حال جاءت النتيجة إيجابية والمريض يعاني في مرحلة متقدمة من الإصابة، تدرج بيانات المريض على قاعدة بيانات وزارة الصحة حتى يتاح له مكان في إحدى مستشفيات العزل، يخطرنا مكتب وزيرة الصحة باستقبال عدد من المرضى”.

يقر فتحي بوجود كثير من الحالات الأكثر احتياجا خارج المستشفى، بينما يشغل أماكنهم آخرون ليسوا بحاجة للتواجد داخلها، لكنه لا يستطيع التدخل في تحديد من يدخل ومن لا يدخل، لا يملك إلا أن يرسل مذكرة اعتراضية لمديرية الصحة على وجود حالات لا تحتاج إلى تلقي رعاية صحية داخل المستشفى. تكررت هذه الواقعة مرات عديدة على مدار شهر، منذ منتصف شهر مايو، لكن المديرية أمرت باستلام الحالات، لأنها مضمنة في قاعدة بيانات الوزارة. يقول فتحي “عملية الإستقبال إجبارية. يتلقى كل طبيب أوامر من مديره بتنسيق إلكتروني مركزي، والواسطات موجودة طبعا زي باقي مؤسسات الدولة”. يوضح فتحي أن ضغط شباب المدينة على المسؤولين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وكشفهم عن حالات خطيرة تموت في منازلها، حسن الوضع مؤخرًا.

يشير أحمد السيد عضو نقابة الأطباء، (مستشفى المنيرة بالقاهرة)[5]، إلى أن “كثيرا ما لا يجد المرضى في حالات سيئة مكانا داخل المستشفى، يُحمل الناس الأطباء المسؤولية، بالرغم أنهم لا يفترض أن يتحملوها”. بنبرة أهدأ يستدرك بالنسبة للمعايير والواسطات الاجتماعية “أبقى كداب لو قلت إن الوضع مثالي، ولكن مش ده المقياس، ولو كان الأمر بيد الطبيب فسوف يختار زملاءه من الأطباء المصابين ضارب مثال بواقعة الطبيب وليد يحيى[6]. ربما يأتي الأمر في هذه الحالات من مدير المستشفى أو شخص آخر خارجها، لكن كطبيب أؤدي مهمة محددة في وقت عملي، ليس لدي دافع إلى تمييز مريض على أسس غير الحاجة الطبية”. بحسب السيد، إذا لم يستطع الطبيب تقديم الرعاية للمريض، ينصحه بالبحث عن مكان في مستشفى آخر، أو الاتصال بـ 105، يتابع بيقين “ومش هيردوا عليه”، مؤكدا أنه في الفترة الحالية، لا يوجد تنسيق بين المستشفيات لمعرفة الوضع في كل مستشفى، حجم العجز والمتاح. عمل السيد في العديد من مستشفيات العزل والفرز منذ بداية الأزمة، منها مستشفى ملوي بمحافظة المنيا ومستشفى المطرية بالقاهرة، ويرى من خلال تجربة تنقله بين المستشفيات أن الضغط على مستشفى في منطقة ما، هو ما يفرقها عن أخرى، وهذا ما يمكن به تفسير التفاوت في قدرة الأشخاص على الوصول إلى الخدمات الصحية.

شهادات الأطباء تناقض تصريح حسام حسني، رئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا بوزارة الصحة أواخر مايو بأن “مستشفيات العزل لا يحدث بها تكدس، ومستشفيات الفرز هي التي يوجد مشكلة بها في العدد، والتي ظهر في بعض الفيديوهات وجود تكدس بها أمام الأبواب، والمشهد دا مش هيتكرر لافتتاح 346 مستشفى للفرز”، يقدر فتحي الطاقة الاستيعابية لمستشفى إسنا بـ 120 سريرا، منها سبعة وعشرين عناية مركزة. يصرح “لدينا قائمة انتظار، عادة ما تزيد الأعداد التي ترسل مديرية الصحة أنها بحاجة للدخول، لكن استقبال الحالات يعتمد على عدد من خرجوا باليوم نفسه”.

يبدو الوضع أفضل في المستشفيات العسكرية الواقعة تحت سيطرة وزارة الدفاع لا الصحة، بحسب ما صرح به الممرض بقسم الاستقبال في مستشفى المنصورة العسكري محمد علي لنا[7]، خصصت إدارة المستشفى الطابق الرابع بقوة (50 سريرا) لعزل ومتابعة حالات كورونا من العسكريين منذ منتصف مايو.

على عكس المعمول به في مستشفيات وزارة الصحة، لا تمثل المسحة شرطا لدخول المشتبه في إصابتهم من العسكريين إلى المستشفى. يعتمد التشخيص على مؤشر مكون من إثنتي عشر درجة. كل عرض يقابله عدد معين من الدرجات. يعني وصول الحالة لما يعادل ست درجات إلى حاجتها للعزل في المستشفى، إن لم تتحسن الحالة بعد خمسة أيام من الرعاية والمتابعة الطبية، تجري المسحة.

بحسب علي، حتى الآن لم تتدخل الفوارق الطبقية والوظيفية بعد في تحديد سمات متلقي الرعاية، لأن الضغط ليس ضخما، إذ لم تتجاوز أعداد المصابين الموجودين فيه 35 حالة، وإن كانت تلعب دوراً في تميز حالة عن أخرى من حيث المساحة المخصصة لهم. عادة ما تضم الحجرة الواحدة حالتين أو ثلاثا. يضرب مثالا بأحد المصابين الذي أفرغت له غرفة خاصة بمفرده “عشان كان متوصي عليه من مستشار، أنا شخصيا حصل ده قدامي مرة”. يتوقع أنهم سيعانون من ضغوط الواسطات وبروز المقايضات إن تحولت المستشفى بكامل قوتها إلى مستشفى عزل. 

كيف تلعب الطبقية دورا في مستوى الرعاية؟

يجد الأطباء الثلاثة تنوعا عمريا بين المرضى. لكنهم يؤكدون وجودا ملحوظا لكبار السن فوق الأربعين. إذا وضعنا ذلك في سياق نتائج التحليل البياني للعينة السابقة، يتبين أنه بالرغم من التساوي بين عدد الشباب وكبار السن، في فئة المرضى الذين وجدوا أماكن داخل المستشفيات، لكن غالبية الذين لم يجدوا مكانا كانوا شبابا، وهو ما يمكن تفسيره بأن ملاحظة الأطباء بخصوص غلبة كبار السن ترتبط بعدم قدرة عدد كبير من الشباب المصابين على الوصول إلى رعاية داخل المستشفى وليس على انخفاض عدد المصابين من الشباب. وهذا يتوافق مع التصريحات المحدثة لوزيرة الصحة عن أن 80% من المصابين بين سن 20 و60 عاما.

بالنسبة لرأس المال الاجتماعي والمادي، يقول السيد “في الأول كانت كل الأطياف بتدخل مع بعض، لكن دلوقت كل اللي معاه فلوس بيروح يعزل نفسه في المكان اللي يقدر يدفع فيه”. يتفق معه فتحي “العدد الأكبر من اللي في المستشفيات الحكومية طبقة متوسطة وفقراء، والغالبية أميين”، وكذلك علي “أغلبهم رتبة صف ظابط من الصولات والظباط المتطوعين بالإعدادية” أي من غير خريجي الكلية العسكرية.

يردف السيد بالرغم من أن فتح مستشفيات القطاع الخاص لاستقبال حالات كورونا، يفترض نظريا أنها إخلاء لمكانها داخل مستشفيات القطاع العام إلا أن الإرتفاع الكبير في معدل الإصابات الآن مقارنة ببداية الأزمة، لم يخلق تراجعا في حجم المتاح، بالعكس هناك حالات عجز كبيرة لدى الطبقة المتوسطة والأقل، اللتين تمثلان أغلب الموجودين حاليا داخل مستشفيات العزل الحكومي. تعزز نتائج العينة ما يقوله السيد، لأنه لما كانت المستشفيات الحكومية هي الخيار الوحيد شكل المنتمون للطبقة العليا ثلث من وجدوا رعاية صحية داخل المستشفيات. ويشير بيان التاريخ في التحليل إلى حدوث ذلك في مايو، أي قبل السماح للقطاع الخاص بعلاج كورونا.

من ناحية أخرى، مكن هذا السماح الفئة العُليا في المجتمع من الحصول على الخدمة الصحية بمقابل مادي لا يتناسب مع غالبية فئات الشعب، الذي يعيش 90% من أفراده بأقل من 2000 جنيه شهريا بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. كانت الحكومة قد حددت “سعر” العلاج بالمستشفيات الخاصة، والذي يبدأ من 1500 جنيه تكلفة العزل في الليلة إلى 10000جنيه للعزل برعاية مركزة شاملة. ما يضاعف من نسب اللامساواة بين المواطنين، ويترتب عليه تعريض حياة من يعانون صحيا واقتصاديا إلى الموت، يعضد هذا عدد الموتى الذين تظهر العينة وفاتهم نتيجة أنهم لم يجدوا رعاية صحية، حتى لبعض ممن دخل مستشفيات الحكومة.

يأخذنا ذلك إلى بُعد ثانٍ يتعلق بجودة الرعاية والفجوة بينها لدى غالبية فئات المجتمع. فالطبيعة الرأسمالية لمستشفيات القطاع الخاص ستكفل خدمة صحية أفضل، من منطلق أنه كلما زادت جودة الخدمة زادت تكلفتها وبالتالي أدرت ربحا أكبر.

تجدر الإشارة إلى أن ما يطلق عليها فئات الدخل المرتفع ذاتها، تخفي تفاوتا كبيرا بين أفرادها، لأنها تضمن من يتراوح متوسط دخله الشهري 2600 تقريبا، إلى جانب من يبلغ من 13 إلى 90 ألف جنيه شهريا، فما فوق(حسب التصنيف الحكومي)[8]. هذا التفاوت يدعم حقيقة أن لجوء البعض إلى مستشفيات القطاع الخاص لا يعكس قدرته المالية وإنما زيادة نسب الإنفاق الصحي من الجيب، لغياب الإنفاق الحكومي، وضعف موارد الدولة التي تركت المواطنين لمواجهة مصيرهم، كلٌ وما يملك.[9]

المصدر: مؤسسة المفكرة القانونية.

قسم: صحة

تاريخ النشر: 9/7/2020.

 رابط الموضوع

تصميم بصري لبيانات القصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *